نشرت صحيفة "الجزيرة.com" خبرا جاء نصه: في حركة استباقية للمسيرة السلمية التي دعت إليها المعارضة اليوم الجمعة إيذاناً بانتهاء العد التنازلي لرحيل حكومة الترويكا، قال رئيسها علي العريض إن حكومته لن ترحل تحت ضغط أي جهة كانت، مشدداً على أن الترويكا أتت إلى السلطة عن طريق انتخابات شعبية ولم تأت بها برغبة المعارضة، ولذلك فهي لن ترحل برغبتها أيضاً. العريض قال بأن الحوار الوطني تعطل ولكنه لا يزال مستمراً وبأن حكومته تشجعه على استئناف أعماله وتعمل ما في وسعها لإنجاحه وهي ملتزمة بتنفيذ ما سيتم التوصل إليه من توافقات من شأنها إرجاع الثقة في المستقبل وتجنيب البلاد الكثير من المزايدات. يأتي هذا التصريح «الصريح» ليؤكد أن الترويكا التي سبق أن عبَّر رئيسها العريض عن نيتها الاستقالة وفق بنود خارطة الطريق، ليست في عجلة من أمرها ولن تخضع لضغوطات المعارضة التي تطالب بشدة باستقالتها اليوم، بعد أن كانت حددت موعد 15 من نوفمبر الجاري كتاريخ أقصى لتفعيل الاستقالة. في المقابل، وجدت أحزاب المعارضة في هذا الإعلان الواضح عن تمسك العريض بمنصبه إلى حين استكمال المسارين الحكومي والتأسيسي، الفرصة مواتية لتجييش الشارع ودعوة التونسيين إلى الخروج اليوم إلى الشارع الرئيسي للعاصمة ومنه إلى القصبة حيث مقر الحكومة الحالي لإرغام العريض ووزرائه على الرحيل. وكان الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس ورئيس الحكومة الأسبق، قد رد على علي العريض بالقول بأن «الحكومة لم تأت بالمعارضة وأن هذه الأخيرة موجودة وتعلم كيف تتصرف».. مضيفاً أن «المعارضة تتصرف بمسؤولية وعندما تدخل في حوار لا تعمل على تعطيله».. في إشارة إلى تصريح سابق كان أدلى به وأكد فيه مسؤولية حركة النهضة ومن ورائها الترويكا الحاكمة في تعطيل الحوار الوطني. وفيما كانت المعارضة تستعد لشحن مناصريها للخروج إلى الشارع اليوم، فُوجئ الرأي العام ببيان صادر عن الرباعي الراعي للحوار جاء فيه بالخصوص أنه إثر تعطل الحوار يوم 4 نوفمبر الجاري وتوقف العد التنازلي للرزنامة المضبوطة بخارطة الطريق، فإن الرباعي لا يزال يواصل مشاوراته مع مختلف الأطراف قصد إيجاد توافق حول الشخصية المرشحة لمنصب رئاسة الحكومة المقبلة والرجوع عن التعديلات التي أدخلت على النظام الداخلي للمجلس التأسيسي والنظر في الهيئة العليا للانتخابات بعد صدور قرار المحكمة الإدارية بهذا الشأن. وأهابت المنظمات الراعية للحوار بكافة المشاركين في الحوار على العمل من أجل تحقيق التوافقات المنتظرة وذلك في أجل أقصاه آخر الأسبوع الجاري، أي يوم السبت، على أن يستأنف الحوار مطلع الأسبوع القادم. ولم يفهم من بيان الرباعي إن كان يصطف كذي قبل إلى جانب المعارضة أم غيَّر مكان وقوفه خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن المحللين السياسيين لهم قراءتهم الخاصة لهذا البيان الذي يعتبرونه رسالة مضمونة الوصول إلى طرفي النزاع كل على حدة. فاتحاد الشغل الذي يقود الحوار لا يخدمه البتة نزول أحزاب المعارضة إلى الشارع، وبالتالي البدء في سلسلة من الاحتجاجات التي قد تفقد سلميتها، بالإضافة إلى أن اللجوء إلى تحريك الشارع بالنسبة إلى الاتحاد هو إعلان صريح عن فشله في إدارة الحوار الوطني، وبالتالي في إنقاذ البلاد من الأزمة الخانقة التي تمر بها. فلا أحد يجهل أن اتحاد الشغل الذي يقود المفاوضات على رأس الرباعي الراعي للحوار، بات يرنو إلى التموقع في المشهد السياسي باعتباره أكبر منظمة شغيلة في البلاد، وبالنظر إلى قاعدته الجماهيرية المنضبطة لقراراته، بعد أن كان عرضة لاتهامات ثبتت صحتها بتواطؤ قياداته القديمة مع النظام السابق.. وعليه، فإن أي فشل سيعيد إلى الأذهان تلك الصور الخائبة لقيادييه وهم يضعون اليد في اليد مع بن علي إلى غاية صباح 14 من أكتوبر 2011، وسيكون بمثابة الإعلان عن بداية انهياره وتراجعه عن مكانته في المشهد المحلي العام. وبالتوازي مع هذه المساعي الحثيثة لإعادة الحوار الوطني إلى السكة واستئنافه بمشاركة كل الأطراف بلا استثناء لضمان أكبر لظروف نجاحه هذه المرة، وبالرغم من تصريح قياديي حزب التكتل بالمجلس التأسيسي عن نية النهضة التراجع عن التعديلات التي أدخلتها على نظامه الداخلي، فقد مر النواب «المرابطون» أي الذين لم ينسحبوا من المجلس وهم أساساً كتل أحزاب الترويكا وكتلة «ائتلاف سيادة الشعب الجديدة» إلى السرعة القصوى بانطلاقهم في تفعيل النظام الداخلي في صيغته المعدلة. اليوم تصح مقولة الشيخ راشد الغنوشي الذي قال في تصريح لم يفهم الشعب مضمونه المسكوت عنه: «النهضة خرجت من الحكم ولكنها لم تغادر السلطة». في الجانب الآخر من الأزمة السياسية، تنشط وحدات الجيش والشرطة من أجل تفكيك العصابات المسلحة المنتشرة في كامل أرجاء البلاد وبخاصة بالمناطق الحدودية مع الجزائر وليبيا، في مسعى دؤوب من أجل إفشال مخططاتها الإرهابية التي تستهدف تفجير مؤسسات عمومية وتمثيليات أجنبية وفق اعترافات العناصر الإرهابية التي تم إلقاء القبض عليها مؤخراً. ففي سرية تامة وبعيداً عن أعين الإعلام، تعمل الفرق العسكرية والأمنية في تنسيق محكم على الإطاحة بالجماعات المسلحة التي باتت تعد العدة لتنفيذ أعمالها الإجرامية في حق البلاد والعباد رامية عرض الحائط بمصالح التونسيين ومتلاعبة باستقراره وأمنه ومتجاهلة ما يعانيه الشعب من ويلات تدهور الاقتصاد وغلاء المعيشة وهروب رؤوس الأموال العربية والأجنبية. فقد خيّب المرابطون أمل زملائهم من حزب التكتل وأحزاب المعارضة لأنهم لم يكتفوا برفض إلغاء التنقيحات بل رفعوا في درجة تمردهم باستعداداتهم لعقد جلسة عامة دون حضور ولا مباركة رئيس المجلس رئيس حزب التكتل الحليف الأضعف للترويكا الحاكمة، وهي جلسة ستتم خلالها مساءلة وزير الداخلية المستقل حول ما راج من أخبار عن تواصل عمليات تعذيب الموقوفين والمساجين.