وجه رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الحليف الأبرز لحركة النهضة في ائتلاف الحاكم، عماد الدايمي إلى الرباعي الراعي للحوار الوطني والأحزاب المشاركة فيه تحذيراً شديد اللهجة «من أي مسعى لتهميش دور المجلس التأسيسي، ما اعتبره مجرد غرفة لتسجيل توافقات تتم خارجه». ويذكر أن الدايمي الذي رفض حزبه التوقيع على خارطة الطريق المنبثقة عن مبادرة اتحاد الشغل لحل الأزمة السياسية العالقة، كان نبه عديد المرات إلى تصريحات خطيرة يدلي به قياديون بارزون في جبهة الإنقاذ الذين يتبجحون بتوفقهم إلى إسقاط حكومة الترويكا وتعويضها بحكومة كفاءات مستقلة نزولاً عند طلبها هي بالذات، دون المرور بالمجلس التأسيسي بالرغم أنه هو السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد بعد الثورة. إلا أن الخلاف يبدو أنه أعمق من مجرد صراع على قانونية القرارات، فحسب المراقبين للشأن المحلي، فإن الترويكا الحاكمة المنقسمة ظاهريا، باعتبار أن حليفها الأبرز حزب المؤتمر لم يشارك في الحوار الوطني وظل مرابطا خارج أسواره، فيما اتخذ الحليف الثاني لها حزب التكتل مواقف لا تتماشى وموقف النهضة، هي في الأصل ثابتة عند تحالفها وأسباب ائتلافها الأساسية. بمعنى أنها وإن ظهرت في ثوب بال من الخارج فإن زينتها تامة من الداخل. فحزبا المؤتمر والتكتل اللذان يعرفان أن لا حجم حقيقي لهما خارج الائتلاف الحاكم لا ينكران أنهما بدون الحزب الحاكم لا يساويان شيئا حتى وإن اجتمعا. ولذلك فإن مصلحة الحليفين في بقائهما وحفاظهما على الانصهار في الائتلاف مع النهضة بوصفها الحزب الأقوى في البلاد الآن إلى جانب حزب نداء تونس، إلا أن هذا الأخير الذي اصطف مع المعارضة منذ تأسيسه لن يقبل بهما لتاريخهما مع النهضة. ولئن كانت أحزاب المعارضة وفي غمرة انتشائها بخبر قبول علي العريض رئيس الحكومة استقالة حكومته، تصم أذانها على تحذيرات خبراء القانون الدستوري الذين ما فتؤوا يؤكدون على عدم قانونية استقالة حكومة الترويكا، فإن أحزاب الائتلاف الحاكم التزموا الصمت حيال ما اعتبره التونسيون تلاعبا بالألفاظ من طرف علي العريض نفسه في الرسالة التي بعث بها إلى الرباعي الراعي للحوار والتي تضمنت تعهداً منه باستقالة التشكيلة الحكومية الحالية. حركة النهضة من جهتها كثفت من حضور قياداتها الإعلامي وحتى المغضوب عليهم سابقا عادوا إلى الأضواء بقوة من ذلك رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي كان استقال من منصبه خلال شهر فبراير الماضي غداة اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد.. الجبالي عاد إلى الصدارة وتصريحاته أصبحت لهجتها أشد كلما تعلق السؤال الموجه إليه بأحزاب المعارضة وبتنازل حكومة الترويكا ومن ورائها الحركة بأسرها. وفي المقابل اختار زعيم النهضة الشيخ راشد الغنوشي التحدث في القناة التلفزية الوطنية بلهجة فيها الكثير من الهدوء والرصانة حتى يغير ولو قليلا من الصورة السلبية التي تناقلها أنصار أحزاب المعارضة خلال مسيرات يوم 23 أكتوبر الجاري، وحتى يظهر وكان هاب لكل التونسيين مهما اختلفت انتماءاتهم الإيديولوجية. واعتبر الغنوشي أن تونس خرجت من مرحلة التجاذبات بانطلاق الحوار الوطني وقال إن ثورة تونس السلمية ستخرج من المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية ليتم تأسيس نظام ديمقراطي مثل ماليزيا وسويسرا وغيرها من الديمقراطيات الحديثة، على حد قوله. وقال الغنوشي إن مؤتمر الحوار الوطني يمثل أمل التونسيين لتسجيل نجاح في إرساء الديمقراطية. مشيرا إلى أن على نواب المجلس التأسيسي أن يعملوا ليلاً نهاراً لإتمام المهمة التأسيسية في ظرف 3 أسابيع، وأضاف بأن ذلك ممكن مؤكداً بأن استقالة الحكومة في 3 أسابيع وإنهاء المجلس الدستوري لمهامه خلال الفترة ذاتها عوض عن أربعة أسابيع هو خير ضمان تقدمه الأطراف المتحاورة لبعضها البعض. من جهة أخرى شدد زعيم حركة النهضة على أن المرحلة الحالية ليست لحظة صراع أو تجييش، وخص بالذكر تجييش تلاميذ المدارس الإعدادية. وقال إن السفينة يجب أن تحمل جميع التونسيين من إسلاميين وغيرهم من العائلات السياسية ليصلوا معا إلى شاطئ الأمان عبر انتخابات يقبل بنتائجها جميع التونسيين دون تشكيك، على حد تعبيره. وينتظر أن تتولى لجنة المسار الحكومي تحديد مقاييس اختيار رئيس الحكومة الجديد الذي كثرت بشأن التخمينات والترشيحات والتأويلات خاصة وأنه يشترط فيه الحيادية وعدم الانتماء إلى أي حزب سياسي، وهي مسألة غاية في الصعوبة باعتبار أن الكفاءات الوطنية القادرة على ترؤس الحكومة هي إما منخرطة في حزب سياسي أو هي في سن ما بعد التقاعد بما يعني أنها في وضع صحي لا يسمح لها بالعمل ليلا نهاراً بلا انقطاع لساعات طويلة وفق ما تقتضيه المهمة والمنصب الكبير بالنظر إلى التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة.