أرسلت إيران في الأسبوع الماضي ناقلة محمّلة بالمشتقات النفطية من ميناء بندر عباس في الخليج إلى ميناء بانياس السوري على البحر المتوسط، بحسب موقع مارين ترافيك الالكتروني، الذي يرصد حركة السفن والإشارات اللاسلكية التي تبثها، وأكد الخبر مسؤول بحري في ميناء بانياس. ووفقا لموقع إيلاف اللندني نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن هذا المسؤول قوله إن الناقلة الإيرانية كانت تحمل اسم هيلاري، وترفع علم دولة الهندوراس عندما رست في بانياس. فالسفينة عمدت إلى تغيير العلم في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) كما تبين وثائق الشحن، ولكن لم يعرف إذا حدث ذلك قبل أن تبحر إلى سوريا. وقال نائب وزير النفط السوري السابق والمنشق عبدو حسام الدين إن الناقلة قامت برحلتين سابقتين على الأقل من إيران إلى سوريا، حملت خلالهما اسم "ألوان"، ورفعت علم بنما، بحسب خبراء نفطيين ووكلاء شحن. رقابة جائرة؟ تستخدم إيران هذه الوسيلة للتملّص من اجراءات الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى تفرض عقوبات على التجارة النفطية بين إيران وسوريا، كما أفاد خبيرا العقوبات هيو غريفيثس، الذي يرأس برنامج مكافحة عمليات الشحن البحري غير القانونية في المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، وماثيو غودساي الباحث في مشروع ويسكنسون لمراقبة الأسلحة النووية. ويعترف مسؤولون بحريون إيرانيون بتغيير الأعلام للإفلات من الضغوط الأميركية، "فهذا التغيير ضروري لتفادي إجراءات رقابة جائرة" كما يقولون. وقال علي عزتي، مدير التخطيط الاستراتيجي والشؤون الدولية في شركة خطوط الشحن البحرية الإيرانية، على هامش مؤتمر للنقل البحري في مدينة شيامين الصينية في أيلول (سبتمبر): "عندما تحشر أحدهم في غرفة ما، عليه أن يجد بابًا للخروج"، في إشارة إلى تغيير أعلام السفن التابعة للشركة، من دون أن يقتصر ذلك بالضرورة على عمليات الشحن البحري إلى سوريا. تمويه مقصود اجتمع وزير النفط السوري سعيد معذى هنيدي قبل أيام مع نظيره الإيراني رستم قاسمي في طهران لتعزيز التعاون الثنائي في المجال النفطي، كما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، خصوصًا أن المصافي السورية لا تستطيع سد حاجة السوق السورية من وقود الديزل، ولهذا السبب تعتمد على استيراده من بلدان مثل إيران. وتواجه المؤسسات، التي تتعامل مع شركات تصدير النفط الإيراني أو شركات الشحن المشمولة بالعقوبات، إمكانية منعها من استخدام النظام المالي الأميركي، كما فُرضت على النظام السوري عقوبات منفصلة تمنع الشركات الأميركية والأوروبية من استيراد النفط السوري أو نقله. وأصرّت إيران، التي تعتبر آخر حلفاء نظام الرئيس بشار الأسد ومؤازريه، على حقها في التعامل النفطي مع سوريا لعدم وجود عقوبات دولية تحظر مثل هذه التجارة. ولذلك، اتخذت إيران خطوات سابقًا لتمويه ملكيتها سفنًا تنقل صادراتها النفطية إلى آسيا ووجهات أخرى. وعمدت شركة الناقلات الوطنية الإيرانية إلى تغيير أعلام العديد من سفنها في تنزانيا خلال هذا العام، بحسب قواعد بيانية بحرية وبيانات الحكومة الأميركية نفسها. وقالت تنزانيا إنها ستتحرك لإلغاء رفع علمها على أية ناقلات، تقول الولاياتالمتحدة إنها ذات ملكية إيرانية، علمًا أن شركة الناقلات الوطنية الإيرانية تملك نحو 40 ناقلة، تتولى شحن القسم الأعظم من صادرات النفط الإيرانية. هندوراس تحقق في هيلاري منعت وزارة الخزانة الأميركية في تموز (يوليو) الماضي المواطنين الأميركيين من التعامل مع الشركة الإيرانية بوصفها كيانًا حكوميًا إيرانيًا، وقالت إن الشركة غيّرت أعلام ناقلاتها لتمويه جنسيتها الإيرانية، بينما قال مسؤولون في الشركة الإيرانية إنها بيعت للقطاع الخاص، وإنهم غيّروا أعلام الناقلات من مالطا وقبرص إلى تنزانيا وجزيرة توفالو، بسبب الحظر الأوروبي. ويقول الموقع الالكتروني للاتحاد الأوروبي إن ملكية السفينة هيلاري تعود في نهاية المطاف إلى شركة الشحن البحرية الإيرانية المشمولة بالعقوبات الأميركية والأوروبية لمشاركتها المفترضة في شحن معدات عسكرية إلى إيران. وأكدت المديرية العامة للبحرية التجارية في هندوراس أن السفينة هيلاري تحمل العلم الهندوراسي وفق ترتيب موقت، وأنها تحقق في وثائق تسجيل السفينة، وستقرر بشأن استمرارها في رفع علم هندوراس في ضوء قرارات الأممالمتحدة وأنظمة هندوراس الداخلية. في هذا السياق، تنفي الشركة الإيرانية أية علاقة ببرنامج إيران التسلّحي، ودأب مسؤولوها على الامتناع عن التعليق أو الاكتفاء بالقول إن لا علم لهم بتغيير أعلام السفينة هيلاري. هوية "أمين" يؤكد حسام الدين أن إيران تنقل النفط السوري إلى منشآتها لخلطه بنفطها الخام واستخدامه في مصافيها أو إعادة تصديره إلى آسيا، بعدما رفضت شركات النقل البحري في المنطقة شحنه، بسبب التبعات السياسية المترتبة على مثل هذا التعامل. لكنه يقول إن إيران أخفقت في العثور على مشترين في آسيا أيضًا. وقال مسؤولون أميركيون وسوريون وإيرانيون إن النفط السوري كان يُنقل على سفينة اسمها "أمين"، تابعة للشركة الإيرانية. وقامت هذه السفينة خلال رحلتها من سوريا إلى إيران، في وقت سابق من هذا العام، بتغيير علمها من علم سيراليون إلى علم توغو، بحسب قواعد بيانية بحرية تعتمد على سجلات الأعلام والإشارات اللاسلكية، التي تعرِّف بلد تسجيل السفينة تحت علمه. وبعد اكتشاف ملكية إيران للسفينة، تعرّضت سيراليون لضغوط دولية، حملتها على سحب علمها وشطب السفينة من سجلها البحري، بحسب خبراء يتابعون العقوبات المفروضة ضد النظام السوري وقواعد بيانية بحرية. وأكد ألفا ليبغازا، مدير الشؤون البحرية في توغو، أن السفينة "امين" تحمل علم توغو، لكنه قال لاحقًا إن السفينة ستُحذف من سجل توغو مع سفينتين إيرانيتين أخريين تحمل علم بلده. وكانت ملكية السفينة "أمين" تعود في السابق إلى شركة مالطية، قبل شمولها بالعقوبات الأميركية والأوروبية إثر اكتشاف العلاقة بين الشركة المالطية المالكة وشركة الشحن البحرية الإيرانية. ونتيجة ذلك، نُقلت ملكية السفينة في أيار (مايو) إلى شركة أوريس مارين كو في بليز، بحسب سجلات بيانية بحرية. صعوبة التحقق قال خبراء إن مثل هذه التغييرات تجعل من الصعب على الجهات الخدمية والمؤسسات التجارية والمصارف التي تتعامل مع الشركات البحرية معرفة حقيقة ملكية السفن وجنسيتها. وتقول المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة إن ملكية شركة أوريس مارين عائدة إلى شركة فرعية تابعة لشركة الشحن البحرية الإيرانية. وأكد جيان غاندي، مدير مفوضية الخدمات المالية الدولية في بليز، تسجيل شركة أوريس مارين في بلده. لكنه أضاف أن بليز لا تعلم بملكيتها الإيرانية، مشيرًا إلى أنها تتخذ الآن إجراءات لشطب الشركة أوريس مارين من سجلها. ولاحظ الخبير غريفيثس، من المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، أن شركات بحرية عديدة لا تدقق في ملكية السفن، وهذا ما يسهّل تمويه الملكية.