لم تفلح الغارات والانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية، في إفساد فرحة أهل غزة الكبيرة بالزيارة التاريخية لأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للقطاع، التي يعتبرونها كسرا سياسيا واقتصاديا للحصار الذي فرضته عليهم إسرائيل والتزم به العالم والعرب منذ ستة أعوام. حالة الاستنفار الشعبي والرسمي غير المسبوقة التي عاشها قطاع غزة اليوم، تعكس حجم الآمال التي يعلقها سكان غزة على زيارة الشيخ حمد للخلاص من جحيم الحصار الإسرائيلي. وفي هذا الإطار يصف يوسف زرقة المستشار السياسي لرئيس الحكومة المقالة الزيارة بأنها "تاريخية بكل المستويات" وأنها تحمل دلالات سياسية هامة وجوهرية، باعتبارها الأولى لزعيم عربي منذ فرض الحصار على القطاع. أما رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية جابر الحرمي فيرى أن من أهم دواعي الفخر بهذه الزيارة، أنها أكدت أن كسر الحصار على غزة جاء عربيا، و"لم ينتظر العرب كالعادة زعيما غربيا ليبادر لزيارة غزة ويكسر الرغبة الإسرائيلية". قطر منذ سنوات ويبدو أن أهل غزة ينظرون إلى الوعود القطرية بكثير من التصديق وبطريقة مغايرة لنظرتهم إلى كثير من الوعود الإقليمية والعربية، التي سرعان ما تتلاشى أمام التعنت والتعسف الإسرائيلي. أعلام قطر وصور الأمير انتشرت في شوارع غزة (الفرنسية) ويقول مراسل الجزيرة في غزة تامر المسحال إن أهل غزة يتذكرون بكثير من التقدير المواقف والمساعي القطرية تجاه قضاياهم، وأنهم عادوا اليوم ليرددوا عبارة الأمير الشهيرة عندما أفشلت جهوده لعقد قمة عربية إبان العدوان الإسرائيلي على غزة قبل أربعة أعوام حيث قال "لا حول ولا قوة إلا بالله، كلما اكتملت نقصت"، في إشارة إلى عدم اكتمال النصاب العربي اللازم لعقد القمة. وليست هذه المرة الأولى التي يزور فيها الشيخ حمد قطاع غزة، فقد اختار قبل 13 عاما أن يكون أول زعيم خليجي يزور القطاع، حيث ذهب عام 1999 لمساندة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان يعاني آنذاك من تلكؤ إسرائيل في تطبيق اتفاق "واي بلانتيشن" الذي جرى الاتفاق عليه قبل ذلك بعام. ومع تزايد تعسف إسرائيل في ظل صمت دولي وتراجع عربي، كانت قطر تتقدم خطوات في دعم الشعب الفلسطيني وتسانده للحصول على حقوقه. فأثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كانت قطر من أول الدول الداعية إلى موقف عربي قوي وموحد لمواجهة العدوان الإسرائيلي، وسعت جاهدة لعقد قمة عربية تخرج بقرار عربي يحرج القوى الدولية الكبرى وبجيرها على إلزام إسرائيل بوقف العدوان. لكن هذه الجهود قوبلت بعراقيل ليست دولية فحسب بل عربية أيضا، نجحت في إفشال القمة من خلال عدم إكمال نصابها، وتجلت هذه الضغوط بالعبارات التي اعتذر فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لرئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن حضور القمة مؤكدا أنه لو حضرها فسيكون كمن حكم على نفسه بالإعدام "شنقا من الوريد إلى الوريد"، الأمر الذي دفع أمير قطر إلى عقد القمة بمن حضر من الزعماء. وعلى الصعيد المالي تصدرت قطر قائمة الدول الداعمة للقطاع، وقدمت مئات الملايين كمعونات للغزيين، وتكفلت دفع الرواتب لأشهر طويلة، عندما تعذر على الحكومة المقالة في غزة تأمين الرواتب بسبب ظروف الحصار الخانق. وبعد الثورة المصرية، ورحيل النظام المصري الذي كان يطبق الحصار على غزة بصرامة، أصبحت المساعدات القطرية تتدفق إلى غزة بشكل أيسر، وتعهدت قطر بتقديم الغاز المسال للقطاع لحل أزمة الكهرباء الخانقة، التي ضاعفت معاناة السكان اليومية. واليوم يأتي أمير قطر ليدشن مشاريع بغزة بمئات ملايين الدولارات، لإعادة إعمار غزة وإقامة مشاريع سكنية وصحية وتنموية فيها. المصالحة الفلسطينية وعلى الصعيد الفلسطيني الداخلي بذلت قطر جهودا كبيرة لرأب الصدع وإعادة اللحمة للصف الفلسطيني بعد سنوات من الانقطاع، وفي هذا الإطار نجحت في التوصل إلى تفاهم بين الحركتين الفلسطينيتين الكبريين (حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة التحرير الوطني فتح) في فبراير/شباط الماضي. وقبل يوم من زيارته لغزة بادر الشيخ حمد أمير قطر بالاتصال برئيس السلطة الفلسطينية في رام الله محمود عباس، مفوتا بذلك الفرصة على كل المشككين في أهداف الزيارة وتداعياتها على وحدة الصف الفلسطيني.