تتواصل في سوريا عملية التصويت في أول انتخابات تشريعية تشهدها البلاد بعد اندلاع " الثورة الشعبية" منتصف مارس/آذار من العام الماضي، وسط إقبال وصف بالمتواضع في ظل مقاطعة قوى المعارضة في الداخل والخارج وإجراءات أمنية مشددة. وقد شل إضراب عام معظم المدن السورية استجابة لدعوة نشطاء الثورة والمعارضة ردا على الاقتراع الذي وصفته ب"المهزلة". وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي اصطفاف ناخبين أمام مراكز الاقتراع منذ ساعات الصباح الأولى، وأكد شهود عيان لوكالة الأنباء الألمانية وجود انتشار أمني كبير من الجيش والشرطة، وأشار شاهد من دمشق أنه تم نشر أكثر من مائة نقطة تفتيش في مناطق داخل العاصمة وبالقرب من مراكز الاقتراع. واستطلعت الوكالة آراء ناخبين في دمشق قال أحدهم إنه يريد المشاركة في الانتخابات، في حين أشار آخر إلى أنه سينتخب "لا أحد"، معربا عن اعتقاده أن نتائج الانتخابات في جزئها الأكبر تبدو معروفة. بالمقابل ترى نورا أن مقاطعة الانتخابات واجب على كل سوري يريد التغيير، وقالت "أتيت إلى مركز الانتخابات لأتأكد بنفسي من ضعف إقبال الناس على المشاركة". وتحدث بعض الأشخاص عن ممارسة عدد من وكلاء المرشحين لنوع من الإحراج والضغط المعنوي على الناخبين عندما يأتون لزيارة المراكز ويطلبون منهم انتخاب مرشحيهم، ملمحين إلى إمكانية "تكريم" الناخب الذي يختار مرشحيهم دون أن يوضحوا ما المقصود بكلمة "التكريم". كما تحدث بعض الطلاب الجامعيين عن أن بعض المرشحين يقدمون مساعدات مالية للطلاب الذين يختارونهم، وأشاروا إلى أن هذه المساعدات تتراوح بين ألف إلى خمسة آلاف ليرة سورية (الدولار يساوي أقل من سبعين ليرة سورية). وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) "تشارك الأحزاب والكتل والقوى السياسية والمستقلون ترشيحا واقتراعا في الانتخاب بقوائم وتحالفات حزبية وسياسية ومستقلة وبشكل فردي، تحت إشراف قضائي مستقل يضمن النزاهة والحرية والديمقراطية للناخبين في اختيار ممثليهم لمجلس الشعب القادم وفقا لقانون الانتخابات العامة، في وقت تشهد فيه البلاد إصلاحات حقيقية وجوهرية شملت مختلف مناحي حياة المجتمع السوري توجت بإقرار دستور جديد للبلاد". وأوضحت الوكالة أنه يحق لأكثر من 14 مليون سوري الإدلاء بأصواتهم لاختيار 250 نائبا لمجلس الشعب من بين سبعة آلاف و195 مرشحا، بينهم 710 سيدات، في 12 ألفا و152 مركزا انتخابيا في مختلف أنحاء سوريا. ولا يوجد في مجلس الشعب المنتهية ولايته عضو معارض واحد، وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن نصف المقاعد ستخصص "لممثلي العمال والفلاحين" الذين تسيطر عائلة الرئيس بشار الأسد على اتحاداتهم. إضراب ومقاطعة في المقابل شل إضراب عام معظم المدن السورية استجابة لدعوة الهيئة العامة للثورة السورية، تزامنا مع بدء الانتخابات التشريعية. وبدت آثار الإضراب واضحة في مناطق عدة مثل درعا وكفرشمس وعلْما وإنخل وإدلب وأريحا وحماة وقلعة المضيق، مع انتشار مكثف للآليات العسكرية في هذه المناطق. وقد دعت الهيئة العامة للثورة السورية إلى مقاطعة "مهزلة انتخابات مجلس الشعب"، وإلى الإضراب يومي 7 و8 مايو/أيار الجاري. واعتبرت أن نظام بشار الأسد "فقد شرعيته منذ زمن طويل، وهو الآن موجود بصفة الاحتلال ويفرض وجوده في وطننا بقوة السلاح والقتل والجريمة". وقالت الهيئة إن "نظام بشار الأسد نظام خارج عن القانون السوري وعن القانون الدولي، لارتكابه جرائم الحرب". كما دعا المجلس الوطني السوري - أكبر تكتل للمعارضة- السوريين إلى الإضراب والتظاهر اليوم، واصفا هذه الانتخابات بأنها "مسرحية تستهين بدماء آلاف الشهداء"، وتدل على "استهتار نظام الأسد بالمبادرة الدولية العربية". وقال المجلس في بيان "بصفاقة قل نظيرها، يدعو النظام السوري لإجراء انتخابات لمجلس الشعب على وقع الرصاص والقذائف من كل نوع وجرائم الإبادة والعقوبات الجماعية". وأضاف "لقد أقسم ملايين السوريين منذ أكثر من سنة أنهم يريدون إسقاط النظام القاتل، وهم بالتأكيد ينظرون بكثير من الاستخفاف لدعوتهم لتجديد شرعية النظام عبر انتخابات هزلية". ووصف الناشط لؤي حسين -الذي يترأس تيار "بناء الدولة السورية"- هذه الانتخابات بالشكلية، وأوضح لوكالة رويترز أن البرلمان السوري "لا يملك سلطة على ضابط مخابرات واحد وليس لديه سلطة في البلاد على الإطلاق". وقد فتحت مراكز الاقتراع أبوابها الاثنين عند الساعة السابعة صباحا بالتوقيت المحلي (4:00 غرينتش) وتغلق في العاشرة مساء بالتوقيت المحلي (19:00 غرينتش) في تصويت تصفه السلطات السورية بأول انتخابات "تعددية" منذ خمسة عقود، لكن المعارضة تنظر إليها على أنها "مهزلة"، وتؤكد أن المشاركة فيها ستقتصر على مؤيدي النظام.