تدخل سوريا عامها الثاني من الأزمة فيما لا يزال السوريون مختلفون حول مستقبل بلادهم. فإذا كان للرئيس السوري معارضون نسمع عنهم ونعرفهم منذ بداية الأزمة، فهل له أنصار يؤيدونه ؟ وكيف؟ عن هذه الأسئلة وعشرات غيرها يجيب مراسل بي بي سي عمر عبد الرازق في تقرير له من أرض الثورة يقول: قد تبدو الإجابة سهلة لكن كان على أن أبحث عن هؤلاء المؤيدين وأتحدث إليهم ضمن برنامج "تحقيق خاص" ، وأزور العاصمة وحلب واللاذقية، وكانت البداية من دمشق. عندما وصلت إلى دمشق كنت اعتقد أنه سيتعين علي أن ارتدي السترة والخوذة الواقيتين بمجرد خروجي من المطار، خاب ظني، فالطريق بين مطار دمشق ووسط المدينة يبدو مفتوحا لا توجد عليه سوى نقطة أمنية واحدة. بعد يوم واحد من الحصول على الموافقات الأمنية بدأت اتجول في دمشق، ما اعتقدت أنه غياب أمني في العاصمة تبدد في اليوم الأول من العمل، فقبل الشروع في التصوير في ساحة العباسيين، ظهر فجأة بعض الشبان في ثياب مدنية، وسألوني من أنت وماذا تفعل؟ ورددت السؤال بمثله، فأجابوا بانهم شبان وطنيون من اللجان الشعبية. لجان شعبية أم "شبيحة"؟ يختلف المسمى حسب موقفك من النظام، فأنصار الرئيس من اللجان الشعبية هم عناصر أمنية أو مرتبطة بالامن ومعروفة له، تننشر في المناطق الحساسة والميادين، وكثيرا ما عجزت عن إدراك وجودهم. في ساحة الجامع اليومي قبل صلاة الجمعة تحلقت حولي مجموعة مماثلة من الرجال من مختلف الاعمار، كان احدهم يتحدث لي بحماسة عن المؤامرة التي تحاك على سوريا، وعندما كنت أتحدث إلى رجل أكبر سنا، خاطب محدثي بعبارة تنم عن بساطة أو عدم إدراك لمهمته "يا سيادة العميد دول جماعة البي بي سي". كثيرون من المؤيدين أمام الجامع الأموي، شبان وفتيات، احتشدوا يهتفون الشعارات والأهازيج التي وضعت لمناسبة كهذه "نحنا رجالك يا بشار" أو تندد بالزعماء العرب الذين "خانوا بشار" ، لكنهم رفضوا إظهار وجوههم للكاميرا. قالوا لى إنهم يتلقون تهديدات بالاستهداف من المعارضة التي تنشر صورهم على "الفيسبوك"، لم أعرف إذا كان ذلك حقيقيا أم لا، لكن بدا لي خوفهم حقيقي. حين سألتهم إذا كانوا من الشبيحة أثار السؤال غضبهم وقالوا إنهم "فدائيين". في حلب، عاصمة سوريا الصناعية، عرفت أن "الشبيحة" او اللجان الأمنية، ايا كان المسمى، هم من يتولون تفريق المظاهرات نيابة عن الأمن، وهم موجودون بكثافة في ساحة عبد الله الجابري. سعيت للقاء أحدهم، وتم اللقاء في أحد مقار الشرطة. في البداية أكد لي أنه يحمل شهادة جامعية في الاقتصاد، لكنه عاطل عن العمل، وعندما سألته عن انتمائه الحزبي قال نعم إنه بعثي، سألته عن علاقة مجموعته بالشرطة، قال "ليس لنا أي علاقة موثقة أو مباشرة بالأمن، نحن متطوعون غيورون نمول أنفسنا ذاتيا". الغريب أن هذا الحوار كان يتم في حضور ضابط في الشرطة وفي مكتبه. لكن ذلك لا يعني أن كل المحتشدين في الساحات تأييدا لبشار الأسد هم من الشبيحة، اذ تبدو الصورة مختلفة في ساحة السبع بحرات، حيث يحتشد جيل عصري من المؤيدين يرقصون على موسيقى الراب التي وضعوا لها كلمات تشيد بالرئيس الأسد. شبان وفتيات ارتدوا زي الجيش السوري، وهم يعتلون منصة نصبت أمام مبنى البنك المركزي، للغناء أو القاء الخطب، وآخرون يطوفون بسياراتهم رافعين العلم السوري وصور الرئيس. ويقال إن الحشد كان أكبر عددا بكثير يوم الاستفتاء في السادس والعشرين من فبراير/شباط الماضي، حين امتلأت الساحة بالمؤيدين. حرب إعلامية ويلعب الإعلام السوري، الحكومي منه والخاص، دورا خاصا في حشد المؤيدين للرئيس الاسد، فقد طور الجهاز الإعلامي ما يسميه "هجوما مضادا" للتصدي "للحرب الإعلامية التي تشنها القنوات العربية والأجنبية" على سورية. قد تبدو في التعبيرات بعض المبالغة لكن هذا ما يحدث. فقنوات مثل الدنيا، التي يملكها رجل أعمال مقرب من النظام، والإخبارية وهي قطاع حكومي مشترك، تقدم فقرات خاصة لتفنيد ما تسميه "التضليل الإعلامي"، تتعقب الأخبار التي تبثها القنوات الخارجية يوميا وتفندها في دأب لا يهدأ. حددنا موعدا لزيارة تلفزيون الدنيا في مدينة المعارض على مشارف دمشق، وبعد عملية تفتيش أمنية واستجواب دقيق عن أهداف المقابلة، من قبل المسؤولين على القناة، اعتذروا لعدم وجود من يتحدث إلينا. وتجمع شاشة الدنيا التي تقود الهجومي الإعلامي المضاد العصرية مع الترفيه، مذيعات ومذيعين، يقدمون لونا آخر من الحياة غير ما يسمع به السوريون من الإعلام الأجنبي. وحين سألت أحد المسؤولين السابقين عن سياسة القناة عن السر في جرعة الترفيه في وقت يعاني فيه المواطنون الغلاء، قال "لن نتحدث عن الأزمة طوال الوقت فلابد أن نروح عن المشاهدين." في حلب كثيرون كانوا يراهنون على انضمام حلب لحركة الاحتجاجات، لأن هناك اعتقادا بأن بقاء حلب ودمشق خارج المعارضة هو دليل على بقاء النظام. ولكن الصورة في حلب تبدو متداخلة. وحين سألت الدكتور محمود عكام مفتي حلب عن تأييد حلب للنظام السياسي، وهل لأن نخبتها السنية من المستفيدين؟ جاءت اجابته مطولة، لكنه قال إن حلب هي الأقل استفادة من النظام السياسي، وأن حلب "هي مدينة التجارب والإباء والقوة، ولا يستعصي عليها نظام، لكنها تدرس ما يحدث وتريد ان تخطو خطوة ناجعة لا بهدف الصراخ فقط". لكن المدينة التي اشتهرت بقدودها الحلبية وتنوعها الإثني والطائفي، تنام مبكرا، خاصة مع تواتر العنف من أطرافها وخارجها. فقد سقط خمسة رجال أعمال قتلى عمليات اغتيال، ورجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم من الصناعة والتجارة هنا باتوا بين مطرقة النظام وسندان المعارضة، فهم مطالبون بإظهار ولائهم للجانبين وكأنهم يسيرون على حبل مشدود. ويشتكي المهندس فارس الشهابي، رئيس غرفة صناعة حلب، من تلك الضغوط، ويقول إن رجال الأعمال - وهو في مقدمتهم - يتعرضون لحملة ترهيب واسعة "لأنهم يريدون من رجال الأعمال الهروب وإنهاء استثماراتهم وإقناع عمالهم بالتظاهر، لأنهم أرادوا أن تأتي الشرارة من حلب". فلماذا يؤيد رجال الأعمال في عاصمة سوريا الاقتصادية والصناعية الرئيس بشار الأسد؟ يقول الشهابي إنه شخصيا "ليس من المستفيدين من النظام، وأنه وضع على قائمة العقوبات الأوروبية رغم ذلك، لكنه ينحاز إلى الوطن، ومع الإصلاح عن طريق الحوار ولكن مع الحفاظ على هيبة الجيش وسلامة الدولة". لكن المؤكد أن العلاقة بين البازار ورجال الأعمال من جانب والحكم في الجانب الآخر، كانت من ضمانات استقرار النظام في سورية منذ وصول الرئيس الراحل إلى السلطة في عام 1970. رغم ذلك ستسمع من يشمت همسا بنظام بشار الأسد لأنه ساعد في خلق دائرة جديدة من رجال الأعمال المحتكرين المستفيدين، في قطاعات التوكيلات والخدمات، وهو ما أضر بالتجار والصناعيين التقليديين، حسب رأي الشامتين. وحين سألت أحد التجار في سوق الحميدية عن ولائهم للنظام السياسي قال لي بعفوية "لازم نتحمل منشان بلدنا، لكن ولاءنا الأول والأخير لليرة التي تدخل جيبنا، لا شأن لنا بالسياسة، فلن نكون وزراء ولا أمراء". الدين والنظام ليس من الصعب إدراك الملمح الطائفي لما يحدث في سورية، فالأقليات الدينية بدأت تصطف وراء النظام خوفا من التيارات الإسلامية المتطرفة التي قد تفرزها الأزمة. وبينما يذكر المعارضون بالانتماء العلوي لعائلة الأسد، يؤكد مؤيدوه أن نظام الأسد ليس طائفيا وإنما علمانيا وقوميا. ويمثل المسيحيون السوريون بمختلف طوائفهم حوالي 10 بالمئة من سكان سورية الذين يبلغ عددهم قرابة 24 مليون نسمة. وحين سالت طالبة مسيحية في جامعة حلب عن مشاعرها تجاه ما يجري، لم تخف مخاوفها لكنها قالت "المشكلة انهم يعتقدون أن المسيحيين يؤيدون النظام بدافع الخوف، لكن الحقيقة أننا لا نؤيد ولا نعارض، نحن لم نكترث بالسياسة أبدا". لكن المطران يوحنا ابراهيم مطران حلب والموصل للسريان الأرثوذكس اجابني صراحة "نحن قلقون، ولدينا مخاوف حقيقية، لا نخاف المسلمين لأننا عشنا معهم 14 قرنا، لكننا نخاف أن يكون الآتي غير متفهم، وغير مستعد للحوار لأنه لا يعرف الآخر". ويرى المطران يوحنا أن حوارا غير مشروط بين كل من ينتمون لسورية هو المخرج الوحيد للأزمة، "حوار يضم الجميع وليس من ترضى عنهم الحكومة فقط،" على حد تعبيره. وحين التقيت المطران لوقا الخوري في مقر بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في دمشق، بدأ الحديث بالحنين إلى القومية العربية، التي كان المسيحيون السوريون من أوائل من رفعوا رايتها. وقال لي "هل يمكن أن تذكر اسم حزب او حركة سياسية لم يكن المسيحيون في صفوف زعمائه؟" عندما يقارن المطران لوقا ما يجري الآن بذلك الماضي، لا ينفي مشاعر القلق، إذ يقول "لم نعرف في حياتنا شيئا كهذا، لم يقل لنا أباؤنا ولا أجدادنا أنه يمكن تقطيع شخص والتمثيل بجثته كما يجري، ورغم ذلك نحن لا نصطف مع النظام، نحن ننحاز للوطن وفقط، ولمن يخدمه ويخدم مصالحنا". قد تفاجئك نفس الردود التي تتلقاها من الزعماء الدينيين مهما اختلفت طوائفهم، هم يخشون من أن تدمر الأزمة الوطن السوري، وأن المسألة لم تعد قضية بقاء نظام أو رحليه في رأيهم. في اللاذقية، توجهت إلى جبال الساحل السوري التي عاش فيها العلويون أو "النصيريون" متمتعين بما يشبه استقلالا. ويقول العلويون إنه لا توجد لهم زعامة دينية، وإنهم يقدمون عروبتهم على كل شيء. على مسافة ربع ساعة بالسيارة تقع قرية "مزار القطرية"، لن تخطئ رائحة البرتقال يتدلى من أشجاره على طول الطريق، هناك التقيت الأستاذ خليل الخطيب، أحد الوجوه البارزة في الطائفة. وحين سألته عن تداعيات الأزمة، قال لي إنها "مؤامرة على سورية بسبب مواقفها الوطنية والعروبية" سألته، هل كانت الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية مؤامرة؟ قال "كانت الجزء الأول من المؤامرة لاستدراج سورية، ثم دخلت الجامعة العربية ثم الأممالمتحدة على الخط لتدويل الأزمة في مراحلها التالية". فلماذا يؤيد العلويون بشار الأسد؟ قال الخطيب "لأنه الشخص الوحيد في هذه المرحلة الذي يحافظ على ثوابتنا الوطنية والعروبية، وأؤكد لك لو جاء باراك أوباما وجلس على كرسي حافظ الأسد وبشار الأسد، وتعهد بالحفاظ على ثوابتنا القومية والعروبية ودماء شهداءنا، لن يكون لنا اعتراض عليه على الإطلاق". من الصعب القول أن كل رجال الأعمال وكل الطوائف وكل الإعلاميين يؤيدون الرئيس بشار الأسد، لكن من يؤيدونه منهم يبدون مقتنعين بأنهم يدافعون عن وطن قد يتفكك وينزلق في حرب إهلية بفعل مؤامرة لو سقط النظام.