يستمر الجدل الحاد في السعودية بين معارض ومؤيد للشرطة الدينية "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" في ظل قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز تعيين رئيس جديدا لهذا الجهاز الذي يفرض سطوته على المجتمع المحافظ منذ عقود عدة. وتقول الناشطة الحقوقية بارعة الزبيدي "انا غير متفائلة بالتغيير لانه يمس الوجوه لكن العقلية تبقى واحدة رغم ادعائها الانفتاح فهذا فكر ممنهج (...) نعاني من عدم الشعور بالامان وهذه مشكلة بحد ذاتها". وتضيف لوكالة فرانس برس "نامل في اتخاذ خطوات حقيقية للتغيير مثل استحداث جهاز يعاقب رجال الهيئة اذا ارتكبوا خطا ما فليس منطقيا ان يكون اي شخص خارج نطاق المساءلة او فوق النقد. فجيل اليوم لا يساق بالعصي او بالوعود". وكان العاهل السعودي اعفى الشهر الحالي رئيس الهيئة السابق الشيخ عبد العزيز بن حمين الحمين من منصبه وعين بديلا منه عبد اللطيف آل الشيخ المعروف بمواقفه الاكثر انفتاحا من سلفه. واشادت الزبيدي بالقرار الذي اتخذه آل الشيخ بوقف عمل المتعاونين، اي العاملين بدوام جزئي. ويعزو كثيرون التجاوزات على المواطنين والمقيمين الى المتعاونين. الا انها نددت بما تقوم به الهيئة وبتصرفات اعضائها الذين يطلق عليهم في المجتمع السعودي "المطاوعة". وقالت ان "هناك الكثير من القصص الماسوية (...) فمثل هذه التصرفات تتضمن اهانة للكرامة الانسانية كما انها تسيء للدين والوطن قبل ان تسيء" اليها. ورات الزبيدي ان "الانسان مسؤول عن افعاله امام الخالق واذا ارتكب خطا تجاه مجتمعه فهناك هيئات مختصة بتنفيذ العقوبات وفقا للقانون". وختمت مشيرة الى "معضلة كبيرة ان تشعر بالرهبة والخوف من وجود الهيئة (...) فالكل مخطئ حتى تثبت براءته ولماذا يتقدم سوء الظن بالاخرين على غيره من الافتراضات؟". من جهته، يقول محمد القحطاني رئيس جمعية الحقوق المدنية لفرانس برس ان "التغيير شكلي فقط لان رئيس الهيئة لا يضع السياسات العليا التي يقرها مسؤولون كبار انما يتولى مجرد تنفيذها". ويتابع "بالتالي، لا اعتقد انه ستكون هناك تغييرات اساسية". وكان آل الشيخ اكد الثلاثاء الماضي ضرورة التزام "الحكمة وبعد النظر لدى ممارسة الاعمال الميدانية" مشيرا الى اصدار "مطبوعات تتضمن جملة من الاداب الشرعية التي ينبغي ان يتحلى بها رجل الميدان كمرشد للناس يتمثل المعروف قبل غيره". وللرئيس الجديد للهيئة مواقف معروفة في مسالة الاختلاط التي يبيحها وفق "ضوابط شرعية محددة". اما الناشط الحقوقي ابرهيم الجهني فقال "لا استطيع الدخول في تفاصيل عمل الهيئة لانني لست قادرا على تجاوز مسماها فأفعالهم لا تدل على انهم يأمرون بالمعروف بل ينهون عنه كما لم يتمكنوا الى حد الان من الابتسام في وجوه المسلمين". واضاف "بوجودهم زادت منكراتنا واخبار الصحف اليومية خير شاهد على كثرة تجاوزاتهم (...) يجب افتتاح مكتب لحقوق الانسان في كل فرع من فروع الهيئة وتخصيص مكتب نسائي في كل فرع للنساء الملقى القبض عليهم". وفي المقابل، يقول عبد العزيز الخنين وهو امام مسجد ومدرس "لا الاحظ اي اختلاف بين الرئيسين. بالعكس الحمين له سمعة جيدة في التواضع والتجاوب والهيئة حققت الكثير للمجتمع، من خلال شهادة طلابي، في مجال مكافحة المخدرات". ويضيف لفرانس برس ان "الهيئة تتمتع بمصداقية ويعتمد عليها اكثر من قطاع في الشرطة بالرغم من اخطائهم التي نسمع عنها ولا نراها. كل القطاعات الامنية ترتكب اخطاء جسيمة ويجب ان لا نضع الهيئة وتحركاتها تحت المجهر فهم رجال الحسبة". بدوره، يشيد مهندس اتصالات مكتفيا بتقديم نفسه باسم ابو فيصل، بعمل "الهيئة من خلال سترها على النساء في القضايا الاخلاقية. لقد قدمت للمجتمع السعودي اكبر خدمة في محاولة صادقة للحفاظ على تماسكه". ويضيف "رغم ذلك، لا استسيغ تجول رجال الهيئة ودعوة الناس للصلاة عبر مكبر الصوت فهذا تصرف غير حضاري (...) عدا ذلك، فانهم يشكلون ضرورة في حياتنا المحافظة". ويسلط دعاة الاصلاح في المملكة منذ مدة الضوء على الهيئة ويتم اتهامها احيانا بانتهاك الحقوق الفردية، الا انها ما تزال تتمتع بدعم المؤسسة الدينية وبدعم شريحة واسعة من الرأي العام. كما تحظى الهيئة بتاييد عدد من كبار الامراء. وتتولى الهيئة السهر على تطبيق الشريعية الاسلامية وتسيير دوريات لاغلاق المحلات خلال اوقات الصلاة ولرصد الخلوات غير الشرعية بين رجال ونساء. ويرى سعوديون عاديون ان سطوة المطاوعة اي اعضاء الهيئة، على حياتهم الاجتماعية تبدو خانقة في بعض الاحيان. ويتأكد المطاوعة من عدم اقدام المراة على قيادة السيارة واحترام ارتداء العباءة السوداء وتغطية الرأس، وحتى الوجه احيانا. وتمنع الهيئة ايضا تنظيم حفلات موسيقية عامة ويعمد عناصرها في بعض الاوقات الى الكشف على هواتف الشباب الجوالة بحثا عن رسائل او صور يعتبرونها مخالفة للشريعة. الا ان سعوديين كثر يثقون بها ويعتبرونها اكثر مصداقية من الشرطة العادية في ما يتعلق بمكافحة الاتجار بالخمور والدعارة والسحر والشعوذة. وتحظى الشرطة الدينية التي يبلغ عدد عناصرها اربعة الاف بنفوذ كبير، وينشط عناصرها خصوصا في المدن. ومع ذلك، فان تاريخ الهيئة ليس خاليا من الاخطاء مع العلم ان القيمين عليها لا يحبذون تسميتهم بعناصر "الشرطة الدينية" ويفضلون تسمية "الحسبة". ففي 2002، منع عناصر الهيئة رجال الانقاذ من دخول مدرسة للبنات اثر اندلاع حريق، فكانت النتيجة مقتل 14 شخصا.