رغم أن المعالم الأساسية للسياسة الاقتصادية لليبيا ما بعد القذافي لم تتضح بعد فإن خطاب رئيس المجلس الوطني الانتقالي بليبيا تضمن توجها واضحا نحو تشجيع البنوك الإسلامية التي لم تتطور إبان حكم العقيد الراحل معمر القذافي. وقال مصطفى عبد الجليل في الثالث والعشرين من الشهر الماضي إبان يوم تحرير ليبيا بمدينة بنغازي إنه يتم التحضير لإنشاء مصارف إسلامية بعيدة عن الربا وكل المعاملات المخالفة للتعاليم الإسلامية. ورغم هذه التصريحات يرى مصرفيون وخبراء في هذا المجال أنه من غير المرجح أن يتم حظر النشاط المصرفي التقليدي الذي يتعامل بالفائدة، حيث يريد المجلس الانتقالي تطوير علاقته بالدول الغربية التي ساعدته في الإطاحة بنظام القذافي، وقد تعهد باحترام مصالحها الاقتصادية. ويرى مدثر صديقي -وهو فقيه شرعي لدى شركة دنتون وايلد بمدينة دبي- أن ليبيا ستحتاج لفترة يتم الاعتماد خلالها على القوانين الحالية ولن يتم التراجع عن الاتفاقات والمعاهدات الجاري بها العمل. ويعتبر خبراء أن ليبيا لا تزال أرضا خصبة لنمو الصيرفة الإسلامية لأن قطاعها البنكي لم يتطور كثيرا خلال سنوات حكم القذافي، وينشط بليبيا قرابة 17 مصرفا غير أن أربعة مصارف تهيمن على القطاع وهي تابعة للحكومة أو للبنك المركزي الليبي، ولا يتجاوز حضور البنوك الغربية بضعة مكاتب تمثيلية لا تتعدى الأصابع. ويقول إبراهيم الزحاف الرئيس التنفيذي لمكتب شركة أماني للاستشارات، المتخصصة في التمويل الإسلامي، إن تمويل المشاريع خلال حكم القذافي كان يتم بواسطة أموال الحكومة أو بتمويل من البنوك التابعة للدولة أو على أساس صفقات مقايضة. وبالتالي سيتم الانطلاق من الصفر في مجال الصيرفة الإسلامية بليبيا حسب ديفيد بتر المدير الإقليمي للشرق الأوسط لوحدة الأبحاث الاقتصادية "إيكونوميست إنتلجنسيا يونت" بلندن. وأضاف ديفيد بتر "سنشهد بالتأكيد نموا للتمويل الإسلامي لأن هناك تجذرا قويا للشعور الديني في المجتمع الليبي، وأعتقد أنه سيتم في الغالب إحداث قطاع مصرفي بالتوازي مع النظام المصرفي التقليدي القائم". وخلال حكم القذافي اتخذ البنك المركزي الليبي أولى الخطوات لفتح الباب أمام الصيرفة الإسلامية، حيث سمح بإقامة نوافذ مصرفية إسلامية لكن هذه الخطوة لقيت اعتراضا سياسيا داخل النظام نفسه. وفي العام الماضي تقدم بنك قطر الإسلامي بطلب للحصول على رخصة للعمل داخل ليبيا ولم ينجح مسعاه، ومنحت طرابلس رخصة لبنك يونيكريديت الإيطالي الذي تملك فيه حصة 7.5%. ويقول المدير التنفيذي لمصرف البركة البحريني عدنان أحمد يوسف "في ظل الحكومة الجديدة بليبيا نرجو تسريع مسار توسيع نشاطنا بالبلاد، حيث سنحدث بنك تجزئة قائما بذاته، ونتأمل أن يتم هذا الأمر العام المقبل". مصرف ستاندرد تشارترد الذي فشل هو الآخر في نيل رخصة إنشاء مصرف أجنبي بليبيا ما زال مهتما بالاستثمار في ليبيا، ومن المحتمل أن يقتحم ذراعه الإسلامي ستاندرد تشارترد صادق بقطاع البنوك سواء التقليدي منه أو الإسلامي أو كلاهما. ويوضح في شانكار الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والأميركتين وأوروبا بالبنك أن مؤسسته ربما تسعى للدخول إلى القطاع المصرفي الليبي بمجرد استقرار الأوضاع هناك، معتبرا أن البلاد قد تصبح سوقا جذابا على المدى البعيد، ولكن على المدى القصير نحتاج للانتظار لمعرفة كيف سيكون الأمر بالنسبة للمجتمع المدني والحوكمة؟