الاقتصادية - السعودية يسرفون في إعطاء ارتفاع كميات الإنتاج الأمريكي الأخيرة من السوائل النفطية أهمية أكثر من اللازم. مع أنه لا يعدو عن كونه أمرا طبيعيا في ظل ارتفاع الأسعار خلال السنوات القليلة الماضية، قبل الهبوط الأخير الذي لا أحد يستطيع التكهن بطول إقامته بيننا. وبوجه عام، فإن الطلب العالمي ينمو، تحت الظروف العادية، بما يقارب المليون برميل سنويا. ويتركز الاهتمام الإعلامي على سبق الإنتاج الأمريكي لإنتاج السعودية، وهو أمر يجب ألا يشغل حيزا كبيرا من تفكيرنا ولا يثير اهتمامنا. ويبدو أن هناك خلطا كبيرا في المفاهيم وعدم إدراك لوضعنا ومستقبل اقتصادنا وسبب ارتفاع إنتاجنا إلى المستوى الحالي. ونحن في إمكاننا، لو أردنا، رفع إنتاجنا بنسبة كبيرة، كافية بأن نبقي الأسعار عند مستواها الحالي وتحرم أمريكا من إنتاج النفط الصخري لفترة من الزمن. مع العلم أن مثل هذا الإجراء لو تم تنفيذه فسيكون وقتيا ولن يدوم أكثر من سنوات معدودة، وهو أصلا لا يخدم مصالحنا ومستقبل أجيالنا. ولذلك نعتقد أن دول الخليج ترحب بالنفط الصخري الأمريكي، الذي يملأ فجوة كبيرة بين الإمدادات النفطية والطلب العالمي. ومن المفترض أن الحد من إنتاج النفط الصخري سيضيف علينا عبئا جديدا قد يضطرنا إلى رفع كمية الإنتاج إلى مستويات عالية لسنا بحاجة لها. وأرى أن كمية إنتاجنا الحالي ربما تفيض عن الحد الأدنى لمتطلبات اقتصادنا. أي أننا نستطيع الاستغناء عن الفائض في كمية الإنتاج في أي وقت نشاء، لولا إحساسنا بالمسؤولية الأدبية تجاه المجتمع الدولي. والذين يحاولون مقارنة إنتاجنا مع إنتاج الولاياتالمتحدة بعد إضافة الإنتاج الصخري يعتقدون أننا نتطلع إلى فرص رفع الإنتاج إلى مستويات قياسية من أجل جني مزيد من الدخل، كما لو كنا مجرد مستثمرين. فهم لا يدركون أننا ننظر إلى ثرواتنا النفطية على أنها مصدر مستديم للدخل من أجل إبقاء الحياة على ظهر هذه الصحراء، وأننا لسنا في عجلة من أمرنا للقضاء عليه. وعلى وجه العموم، فإن الإنتاج غير المنضبط لمادة ناضبة وغير تصنيعية لا يدعو إلى الفخر، لا في السعودية ولا في أمريكا ولا في أي مكان آخر من العالم، بل إن الأولى أن تحافظ البشرية على الثروات القابلة للنفاد بقدر المستطاع حتى لا يضطرون إلى اللجوء إلى ما هو أعلى تكلفة وأقل إنتاجا، كما هو حاصل اليوم من الاتجاه نحو مصادر النفوط الصخرية والرملية غير التقليدية. ورغم كل المحاولات والبحوث العلمية لإيجاد مصادر جديدة لتوليد الطاقة، فلا يجب أن نتفاءل كثيرا بنتائجها إلى درجة تدفعنا إلى الإسراف في استنفاد ما هو معروف من المصادر القابلة للنضوب. ولعله من نافلة القول التذكير أن الكميات المخزنة من النفط إلى سنوات قادمة، ستكون باقية ليوم أكثر حاجة لها وحتما أرفع سعرا. فبريطانيا استهلكت معظم نفطها من بحر الشمال في غضون سنوات قليلة عندما كانت الأسعار متدنية جدا وفقدته في الوقت الذي وصل فيه سعر البرميل إلى عشرة أضعاف أسعار الماضي. وما حمى إنتاج النفط الصخري اليوم غير المنضبط في أمريكا، والذي تقوم به المئات من شركات الإنتاج إلا مثال للفوضى وغياب التخطيط، لأن مواقع الآبار يملكها أفراد يهمهم فقط الكسب المادي السريع. ولو تريضوا لبضع سنوات لربما تضاعف دخلهم من ثرواتهم النفطية. ورغم الاختلاف في الرؤية المستقبلية بين المهتمين بشؤون مصادر الطاقة حول مستقبل الأسعار، إلا أن الاحتمال الأقرب للواقع هو أنها ستعود إلى الصعود إلى مستويات عالية نتيجة لنمو الطلب على مصادر الطاقة. وكذلك ارتفاع تكلفة إنتاج المواد الأحفورية بوجه عام، وما سيصاحب ذلك من ضآلة في المحصول، مقارنة بزمن الربيع النفطي، الذي عفى عليه الزمن، الفخر الحقيقي هو بما تنتجه العقول وتعمله الأيدي وينطف معه العرق، وبتنمية الإبداع والابتكار لدى أفراد المجتمع. أما سحب كميات هائلة من مخزونات المكامن النفطية أينما وجدت ثم نقلها إلى المستهلكين بمجهود تقليدي، فهذا يمثل حالة من حالات الاستنزاف وماذا يضيرنا لو وصل الإنتاج الأمريكي إلى 20 مليون برميل في اليوم، إذا كنا لا نزال نجد من يشتري الكميات المعروضة من نفطنا بالأسعار السائدة؟ ولكن الإعلاميين يتلذذون فيما يظنون أنه سيحرك حفيظتنا وربما يدفعنا إلى اتخاذ قرارات برفع مستوى إنتاجنا، وهو أمر نرجح وبشكل كبير عدم حدوثه، لأن ضرر مثل هذا القرار أكبر من نفعه. والتحدي الأكبر ليس بإنتاج مزيد من المواد الهيدروكربونية باهظة التكاليف وعمرها محدود، فالعالم بحاجة إلى مصادر طاقة مستديمة. وهذه متوافرة في المصادر المتجددة، وأهمها وأيسرها الطاقة الشمسية التي من المؤكد أنها ستحتل مكانة مرموقة في حياة المجتمعات البشرية، بعد عصر النفط الرخيص الذي هو الآن على أبواب مرحلة النصف الأخير من عمره المديد. ومن غير المستبعد أن يجد المجتمع الدولي مصادر جديدة لتوليد الطاقة، من باب "الحاجة أم الاختراع". ولكن المستبعد هو أن يكون المصدر الجديد يحمل مميزات وكميات وتكلفة المشتقات النفطية من النوع التقليدي الذي أسهم إلى حد كبير خلال أكثر من قرن في تنمية الصناعة الحديثة ونمو الاقتصاد العالمي الهائل والرفاه الذي تنعم به معظم الشعوب اليوم.