بكر بن عبداللطيف الهبوب مال الاقتصادية - السعودية ازدادت فرصة سوق الأوراق المالية السعودية لدخول نادي الأسواق المالية العالمية الناشئة بعد افتتاحه للاستثمار الأجنبي الأسبوع الماضي، مما يُمهد لإدراج السوق في مؤشرات قياسية دولية متخصصة مثل مؤشرات مورغان ستانلي، وستاندرد آند بورز، وفايننشال تايمز، وداو جونز؛ وذلك لما تعطيه تلك المؤشرات من عامل موثوقية بالتزام تلك السوق بالقوانين الدولية التي تحمي المستثمرين، وبالتالي يُسهم في تدفق السيولة الأجنبية إلى السوق المحلي. بعد الفضائح والانهيارات التي شهدتها الأسواق المالية كأزمة النمور الأسيوية 1997م (الأسواق المالية بجنوب شرق آسيا)، وكفضائح شركتي أنرون وورلد كوم في أمريكا 2001م، أصبحت بوصلة الاستثمار الأجنبي تضع الحوكمة أول مكونات قرارها، فللحوكمة دورٌ كبيرٌ في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد. وأوضحت دراسة أعدّها كلابر ولاف (Klapper & Love) بعنوان "الحوكمة المؤسسية وحماية المستثمر والأداء في الأسواق الناشئة" (Corporate Governance, Investor Protection, and Performance in Emerging Markets) عن وجود علاقة بين مستوى الحوكمة المؤسسية والبيئة القانونية في الأسواق الناشئة، واستخدمت لتصنيف المؤسسات وفق (CLSA) نموذج الحوكمة المؤسسية، حيث استخدم النموذج سبعة عوامل لقياس الحوكمة المؤسسية، هي: النظام، الشفافية، المساءلة، والمسؤولية، والعدالة، الاستقلالية والوعي الاجتماعي. وكشفت الدراسة وجود تباين واسع في مستوى الحوكمة المؤسسية في بعض دول الأسواق الناشئة، وأن معدل الحوكمة المؤسسية منخفض في الدول ذات الأنظمة القانونية الضعيفة، وأفضل حوكمة مؤسسية مرتفعة مرتبطة بأفضل أداء تشغيلي وتقييم سوقي. سمحت القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في الأسهم المدرجة امتلاك المؤسسات المالية الأجنبية للأوراق المالية وتسجيلها باسمها مباشرة، وتمتعها بجميع الحقوق المتصلة بالسهم، كالحصول على الأرباح، والحصول على نصيب من موجودات الشركة عند التصفية، وحق حضور جمعيات المساهمين، والاشتراك في مداولاتها، والتصويت على قراراتها، وحق التصرف في الأسهم، وحق مراقبة أعمال مجلس الإدارة، ورفع دعوى المسؤولية على أعضاء المجلس، وحق الاستفسار وطلب معلومات، وحق التمثيل في مجلس الإدارة. وتُمارس تلك الحقوق بموجب ملكية تلك المؤسسات في الأسهم، والتي لا تتعدى مجتمعةً 10% من القيمة السوقية للأسهم السعودية، وألاَّ تمتلك المؤسسات الأجنبية -سواء من خلال الاستثمار المباشر أو من خلال اتفاقيات المبادلة- مجتمعين مع حصص المؤسسين الاستراتيجيين أكثر من 49% من أسهم أي شركة مدرجة. وإجمالاً فإنَّ هذه النسبة كافيةٌ لممارسة الحقوق على نحو يثير تحديات للحوكمة في السوق المالية من عدة زوايا. أولاً: تحديث تشريعات الحوكمة التي تضمن حماية المستثمرين الأقلية على نحو فاعلٍ، فقد تأخر إصدار تحديث لنظام الشركات الذي لم يعد قادراً على مواكبة تحديثات الأسواق المالية، من حيث توفير الضمانات لحقوق المساهمين ورفع كفاءة معايير الحوكمة، ومنها التصويت التراكمي، وعقد اجتماعات جمعيات المساهمين والتصويت فيها عبر وسائل التقنية الحديثة، وزيادة مبالغ العقوبات إلى غير ذلك. ثانياً: تحديث إجراءات وزارة التجارة والصناعة فيما يتعلق بالسماح للأجنبي بالمشاركة في عضوية مجالس الإدارة، حيث تقضي تعليماتها الحالية بعدم السماح للأجنبي مالم يكن تحت كفالة الشركة، وحاصلاً على إقامة في المملكة. وكذلك السماح للمرأة بعضوية مجالس الإدارة حيث تقضي تعليماتها بأنه لا يجوز للمرأة السعودية أن تشترك في الإدارة وعليها أن توكل غيرها في ذلك. بشرط ألا يكون أجنبياً أو زوجها الأجنبي تحاشياً لزواج المصلحة أو التستر. ثالثاً: تحديث لائحة حوكمة الشركات الصادرة من هيئة السوق المالية على نحوٍ يواكب تحديث نظام الشركات حال صدوره، ويعطي صورةً حديثة لأبرز معايير الحوكمة الدولية، وتوفير الحلول العملية للتجانس بين نظام الشركات وتلك المعايير، خاصةً فيما يتعلق باشتراط أن يكون ثلث أعضاء المجلس من المستقلين، لأن هذا سيصادم حق الأشخاص المعنويين من ترشيح ممثليهم دون إيجاد آلية لحل هذا التعارض. رابعاً: رفع مستوى الإفصاح والشفافية مع خطة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين الاستراتيجية للتحول إلى المعايير الدولية (International Financial Reporting Interpretations- IFRC) التي تحظى بقبولٍ دوليٍّ، من جهة أخرى فلا تزال الجهات الرقابية مطالبة بمزيد من الإجراءات لتعزيز الشفافية في الشركات المدرجة التي بدورها ترفع كفاءة وفاعلية أنظمة البيئة الرقابية الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بنظام الحوكمة، والحد من الممارسات السلبية الناتجة عن استغلال للسلطة، والتداخل في الصلاحيات، وغياب الدور الرقابي. خامساً: الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية يعزز سمعة الشركات، ويعمّق علاقتها مع المجتمع مما يساعدها لتحقيق مفهوم الاستدامة، ومجابهة المخاطر المحتملة. وبالرغم من دور مجالس المسؤولية الاجتماعية إلا أن الممارسة الحالية لم ترقَ للمعايير الدولية بحيث تُلبي الحاجات والأولويات الاجتماعية في ظل عدم وجود هيئة مستقلة تُعنى بتنظيم تلك المساهمات وتشرف عليها. سادساً: العمق المعلوماتي للسوق من خلال الدراسات والأبحاث عن السوق ومؤسساته العاملة باحتراف كما تقدمه بيوت الخبرة الاستشارية التي تحلل السوق وقطاعاته، وتقرأ واقعه الاقتصادي والتشريعي مما يعود بالنفع على المتداول بحصوله على معلومات وتحليلات تكشف نقاط القوة والضعف بالسوق، وتعزز ثقافة الاستثمار المؤسسي الذي يرفع كفاءة معايير الاستثمار في الشركات، حيث ينصب الاختيار على الكفاءة والفاعلية لإدارة مجالس الإدارات، وقدرتها على الوفاء بطموح المساهمين وتحقيق الربحية. وترعى الهيئة العامة للاستثمار مبادرة "مؤشر حوكمة الشركات" التي استقرت مؤخراً في جامعة الفيصل، وتستهدف استخدام معايير الحوكمة العالمية في تقييم أداء الشركات، بحيث يكون المؤشر أحد الأدوات التي تُستخدم في الكشف عن مدى فاعلية وكفاءة نظام الحوكمة في المنشأة بشكل عام، إلا أن موثوقية هذا المؤشر تفتقر إلى دعم هيئة السوق المالية بالمعلومات الحقيقية بحيث تكون المخرجات تحكي الواقع دون مبالغات أو انحرافات. كما عززّت وزارة التجارة والصناعة دعم الحوكمة من خلال برامج خطة استراتيجية أطلقت من خلالها منصة "الإيداع الإلكتروني للقوائم"، وأنشأت إدارة مختصة في الحوكمة، وأخرى في الالتزام، ودعمتهما بالموارد البشرية اللازمة. إنَّ الاستثمار الأجنبي فرصةٌ لترقية تشريعات الحوكمة، وهذا يتطلب تظافر جهات الدولة المعْنِية لإعادة تحديث تطبيقات الحوكمة بشمولية، فقوةُ حوكمة الشركات يعني وجود نظام مناعة يحمي سلامة التصرفات ونزاهة السلوكيات داخل الشركات محل الاستثمار. فإنْ كَانَ البعض يصف الحوكمة بأنها مجموع قواعد اللعبة التي تُستخدم لإدارة الشركة من الداخل، فإنها في ذات الوقت القواعد التي تضبط إيقاع لعبة الاستثمار الأجنبي. مستشار قانوني BakerHa@