مكة أون لاين - السعودية في الستينات والسبعينات كان السعوديون يستقبلون رمضان وهو شهر الصوم بمونولوجٍ شهير للفنان العظيم (عبدالعزيز الهزاع) يقول: «يا رمضان يا رمضان ... يا بو الشربة والقدحان»! وهي جمع (قدح) يعني: إناء، وليست مفرد رجل يقدح من رأسه!! والمونولوج يحمِّض الصورة القادحة آنذاك في الذهن الجمعي لمجتمع ودع الفقر للتوِّ، لكنه لم يبلغ حد الترف بعد، فهناك أكلات لا تتوفر إلاَّ في هذا الشهر الفضيل؛ وهو شهر الصوم برضو! وكانت الإذاعة رحم الله (بدر كريِّم) هي الوسيلة المهيمنة على وسائل الترفيه والتثقيف؛ فبرز الشاعر والمسرحي والأديب ورجل الدولة (حسين عبدالله سراج 1912-2007) بعددٍ من المسلسلات، ظلت تصفِّد السعوديين أمام المذياع لساعات طويلة! لكن أشهر المسلسلات هي أغنية طلال مداح (عرفتك واحنا لسّه صغار)، وتحكي قصة الغرام العامة الطامة في ذلك الجيل، وهي حب (بنت الجيران)؛ التي تبدأ حسب الأغنية بأن ترسل الأم ابنها أو ابنتها، أو تستقبل ابن الجيران أو ابنتهم، في مأمورية عاجلة لتوفير (شوية) ملح أو علبة (صلصة)! ول(بزورة) ذلك الجيل وظيفة أخرى في رمضان هي: تذوق الطعام، وضبط نسبة (الدُّقة) فيه! ولأنهم لم يبلغوا سن التكليف؛ فالحب حلال إذا استقبلتك (البنت) بابتسامة تنسيك طريق العودة للمنزل! أما إن استقبلتك العجوز (الشَّهْرَبَة)، بعد أن أرسلت البنت للجيران الآخرين؛ فاقلبها صوماً حقيقياً ورزقك على الله، كما يقول أستاذنا (ثامر الميمان)، قبل أن تقتلك الغيرة من ابن الَّذِين الآخرين! وفي الثمانينات سحب التلفزيون البساط من مسلسلات الإذاعة، وصار يصفِّد المشاهدين أمام البرامج الدينية الثقافية، وأشهرها: (على مائدة الإفطار)، لموسوعة النور والهداية (علي الطنطاوي)، والتاريخية المثيرة، وأشهرها: (مواقف مشرفة) و(سير الصحابة) ل(محمد حسين زيدان)، المعروف ب(زوربا) العرب، كما كان يلقبه (عبدالله الجفري)! ومن مطلع التسعينات ظل (طاش ما طاش) المصفِّد الأكبر للسعوديين، صغاراً فقدوا الحب، وكباراً فقدوا الجيرة والجيران! وما زال هذا (الشيء) العجيب رغم توقفه منذ سنوات حاضراً في كل البرامج والمسلسلات، سواء ما كان منها سعودياً أصلاً، أو ما سعودناه من مصر وسوريا والمكسيك وتركيا والصين!! [email protected]