الحياة - دولي على ندرة المقولات الصائبة في كلمات الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الا انه أصاب في رفضه المزج بين الفكر الاشتراكي وبين الاسلام. رأى نصرالله في كلمته أمام «مؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي» أنه في مرحلة من المراحل عمد بعض المفكرين الى تقديم آراء تتماشى مع الماركسية أثناء مدها فخرج بوصف الاسلام على أنه اشتراكي، وقال ان أبا ذر الغفاري هو الاشتراكي الاول في الاسلام، في حين ان الاسلام مستقل في آرائه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. القسم الاول من هذا الكلام المعترض على اشتراكية الاسلام لا غبار عليه. ربما تصح العودة في «تأسيس» اشتراكية الاسلام الى سيرة سلمان الفارسي التي وضعها المستشرق لوي ماسينيون حيث ظهر الصحابي سلمان في الاعوام الاولى للعهد الأموي يُعرِّف الصنّاع الفرس في البصرة على علي بن ابي طالب وينشر بينهم محبته والولاء لآله. رأى بعض الكتّاب العرب في استجابة العمال الفرس الباحثين عن امل ما بعد هزيمة امبراطوريتهم، بداية انتشار الوعي الطبقي كفئة مُستغَلّة من قبل الارستقراطية العسكرية العربية. وبعد فترة جاء من يقول ان التشيّع لآل محمد يعبّر عن المضمون الثوري في الاسلام مقابل الانحياز السنّي الى السلطة والحامل لبذور القبول بالاستبداد. تلخص هذه المقاربة الرؤية النمطية الى التاريخ بمعايير الحاضر ومصطلحاته والسعي الى اسقاط خلافات وصراعات اليوم على احداث الامس. ويبدو ان نصرالله يشير خصوصاً الى الكاتب الايراني علي شريعتي الذي يعتبر الاب الروحي لتوليفة الاسلام اليساري (مع زيادة في المكون الاسلامي على اليساري)، رغم ان شريعتي لم يكن الأخير في بحثه عن قواسم مشتركة بين الماركسية والاشتراكية عموماً وبين الاسلام. يمكن هنا الحديث عن حسن حنفي ومؤلفه الشهير «اليسار الاسلامي» وعن حسين مروة و»النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية» الذي يبحث عن ملامح اشتراكية ومادية في الفكر المنتج في العصور الاسلامية المبكرة، ولا يخفي إشارته الى فرز على أسس طبقية أولية بين الفقراء والاغنياء في إسقاط مباشر لمقولات المدرسة الماركسية السوفياتية، على وجه التحديد. وهذا ما سارت عليه مؤلفات أخرى تناولت ثورة بابك الخرمي أو ثورة الزنج حيث اتفق المؤلفون على المضمون التقدمي للثورات تلك في وجه السلطات العباسية المتحالفة مع الاقطاع الزراعي القائم على السيطرة على الارض ونظيره الجبائي (وفي هذا تجاوز آخر لطبيعة الاقتصاد الاسلامي في تلك العصور). من ناحية ثانية، يبدو إدراج أبي ذر الغفاري ضمن الثوار الساعين الى العدالة الاجتماعية بتعريفات تقارب تلك التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية، خطأ معرفياً آخر ارتكبه الكتّاب المذكورون. في حوزتنا مرجع قيّم درس الشخصيات الثائرة ونجح، على ما نعتقد، في وضعها في سياقها السياسي والاجتماعي الصحيح. نقصد هنا كتّاب «الفتنة» للباحث التونسي هشام جعيط. في قراءته لسلوك ابي ذر وعمار بن ياسر وغيرهما من «يسار الصحابة» على ما يحب بعض المؤرخين القول، نرى أبا ذر في موقع من يشعر بضعف سنده القبلي وبحثه عن موقع تحت الشمس من خلال رفع الصوت في وجه «النظام» التعاقدي الذي ضم جميع فروع قريش النافذة. طبعاً، لم يترك الاسلاميون خصومهم اليساريين يسيطرون على ساحة التأويل التاريخي فردوا في مؤلفات من مثل ما كتبه محمد باقر الصدر الذي شنّ هجوماً شرساً على الماركسية واليسار والاشتراكية. أما ان الاسلام لا علاقة له بالرأسمالية، فذلك حديث آخر.