عبدالعزيز الحصان التقرير الكندية هذا المقال هو خطاب مفتوح للملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله وسدد خطاه وأحسن لنا وله الختام.. أيها الملك.. سعدنا جميعًا بحديثكم قبل أيام بأن الجميع تحت سلطة القضاء وهذا يشملكم شخصيًا، وهذا تواضع منكم نحييه، وأبدي لكم في ثنايا هذا الخطاب حقيقة الأوضاع فيما يتعلق بهذا الأمر وهو أمر جليل؛ به تسقط الدول أو تبقى وتدوم، ولهو حقيقة العدل في القضاء. نتحدث هنا أيها الملك عما رأيت بنفسي لا ما سمعت، وما علمت بموجب علمي وتخصصي في مجال المحاماة والقانون في أرضنا المباركة لا بما قيل لي، وأتحدث بصراحة لا أراعي فيها سوى الله سبحانه وتعالى ثم ضميري، وأضع صوب عيني مستقبل بلادنا فوق أي اعتبار ومصلحة شعبنا، ومسؤولية أمام الله والتاريخ والأجيال القادمة. أيها الملك.. ترافعت بنفسي عن أشخاص في محاكم عامة ومحاكم أنشئت "متخصصة" لهدف ما في قضايا تمس الحقوق السياسية، فما رأيت إلا الظلم كسياق عام والعدل استثناء يعمل به في الخفاء وبسرعة لكي لا تتخطف القضاة يد الظلم، فتتغير مواقعهم من قضاة بضمير عدل مستتر إلى مسجونين ظلمًا بضمير عدل ظاهر. رأيت قضاة ترتجف أيديهم وهم يحكمون أو ينظرون في قضية؛ كيف لا وقد دخل في قاعة المحكمة عشرات بالزي العسكري ليس لحماية القضاة فلم يكن يوجد أي خطر؛ بل كان لبث الرعب في قلوب القضاة وقلوب من حضر حرصًا على العدالة في جلسة النطق بالحكم على موكلي الدكتورعبد الله الحامد والدكتور محمد القحطاني، كان العدد الأضخم من العسكر. لازال موكلي خلف القضبان من أكثر من سنتين وعدة أشهر فقط؛ لأنهم رفعوا قضايا تطالب بمحاسبة مسؤولين حكوميين، بل ولما رفعت الدعاوى الكيدية ضد موكلي لم يسمع لطلبنا بإحضار شهود لإثبات أقوال موكلي، سواء كان الشهود من المواطنين المتضررين من أعمال السلطات الأمنية أو مسؤولين حكوميين. أيها الملك.. قد حكم على موكلي الحامد والقحطاني بأكثر من عشر سنين ولازال القاضي سليمان الرشوي ذو الثمانين عامًا خلف القضبان محكومًا عليه بخمس عشرة سنة؛ لأنه طالب بالإصلاح.. القضاء العادل يلاحق المفسدين وليس يلاحق المطالبين بالإصلاح. أيها الملك.. حديثكم بإخضاع الجميع تحت سلطة القضاء لهو عين الحكمة ومركب النجاة٬ لكن نحتاج كبلد إلى أدوات دستورية وقانونية لكي نتمكن من تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع؛ فالظروف والأوضاع في عهد الملك المؤسس ليست كما هي في عهدنا الحالي، فمن حيث الواقع لا يمكن لأي شخص أن يرفع دعوى ضد أي وزير فضلًا عن الملك أو ولي العهد بموجب ما نصت عليه ديباجة نظام الإجراءت الجزائية الجديد؛ حيث أعطى حصانة حتى يتم استئذان المقام السامي. بينما القضاء المستقل لا يستأذن أحدًا. بالإضافة إلى التفسيرات الواسعة لأعمال السيادة المنصوص عليها في نظام ديوان المظالم، وقد وصل الحال بالقضاء في ديوان المظالم في عصر رئيسه السابق أن يستأذن العديد من الجهات الإدارية وخاصة الأمنية قبل أن ينظر أي قضية في مخالفة لأبسط قواعد القضاء الإداري ومبادئ العدالة في شريعتنا. أيها الملك.. هناك مئات المعتقلين لأنهم قالوا كلمة الحق، وهناك العشرات في المنفى لهذا السبب، وهناك الآلاف في السجون بسبب محاكمات ظالمة أو إجراءت غير عادلة في القبض عليهم. وجهنا الدعوات تلو الدعوات بشكل مباشر وعن طريق الإعلام بإغلاق ملف المعتقلين، وحذرنا من اندلاع العنف من جديد، وقد قابلت وزير الداخلية السابق الأمير أحمد وفقه الله وسدده ووفق خلفه وسدده للحق، قابلته وقابله العديد من الناصحين حول هذا الموضوع في رمضان قبل ثلاث سنين، وحسب مافهمنا منه أنه كان هناك توجه لإغلاق الملف ووعد خيرًا في ذلك. أيها الملك.. الجميع ليس تحت سلطة القضاء المستقل؛ بل القضاء تحت سلطة بعض الأجهزة، ولكي يكون الجميع تحت القضاء لابد من إصلاح دستوري بشكل عام، ذكرت نموذجًا له في مقالتي حول (الملكية الممكنة)، وليحقق هذا الأمر وعلى وجه الخصوص بأن تعدل ديباجة نظام الإجراءات الجزائية، وكذلك يسمح لأي محام برفع دعوى للصالح العام مباشرة للقضاء، ويعدل نظام مكافحة الإرهاب لكي يحارب العنف فقط ولا يكون سيفًا مسلطًا على كل من قال الحق، ويقيد نص السيادة في ديوان المظالم، ويخصص وقف خاص للقضاء لكي يعزز استقلال القضاء. أيها الملك.. نحن كشعب والأسرة الحاكمة في مركب واحد، وأعظم ما يخرق هذا المركب هو الظلم وقد انتشر؛ فلابد من مصالحة وطنية وأمر كريم منكم بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسين وإغلاق ملف المعتقلين وإخضاع الجميع حاكمًا ومحكومًا لقضاء مستقل على أرض الواقع كما هو حديثكم. وفقكم الله للحق والعدل.. ووفق الله الجميع لمثل ذلك.