تحقيقاً للعدل ونشره بين الناس انشأ الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - ديوان المظالم ليتمكن كل مظلوم من رفع ظلامته لهذا الديوان، وليتم انصافه من ظالمه والنظر في قضيته مهما كانت، وقد سار على هذا الدرب المضيء أبناؤه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله بنصره. من هنا نستطيع أن نقول إن النواة الأولى لديوان المظالم بدأت في عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وذلك عام 1373ه حينما نص نظام شُعب مجلس الوزراء الصادر سنة (1373ه) في المادة السابعة منه، على أن: (يشكل بديوان مجلس الوزراء إدارة عامة باسم ديوان المظالم، بعد ذلك صدر مرسوم ملكي رقم (8759/13/2) وتاريخ 1374/9/17ه بإنشاء الديوان ثم أدركت الدولة فيما بعد ان هذه الإدارة لم تعد تستوعب العمل المنوط بها، فاتخذت قرارا سديدا في عام 1402ه يقضي بتحويل الديوان الى جهة قضاء إداري مستقلة تتولى الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الجهاز الحكومي والأفراد. وعلى هذا الأساس، كان الاختصاص الأصيل لديوان المظالم هو القضاء الإداري، بمعنى أنه ينظر في الدعاوى التي تكون الحكومة طرفا فيها، ومن ذلك دعاوى الحقوق الوظيفية والتقاعد ودعاوى التعويض، والعقود، هذا بالإضافة الى الدعاوى التأديبية ضد موظفي الدولة، على اعتبار ان هذه الدعاوى تندرج ضمن الدعاوى الإدارية. لقد جاء هذا النظام ليعطي انفتاحاً مهماً في قضاء الديوان، يمنح مزيدا من التمييز والعطاء، لا سيما وان القضاء الإداري حديث النشأة اذا ما قورن بالقضاء العام. من قراءة عجلى في مسيرة الديوان في الأعوام القليلة المنصرمة ينصح لنا ان الديوان حقق قفزات غير مسبوقة في التطوير، تمثلت في الانسجام القضائي بين هدى الشريعة ومصالحها، وروح النظام ومتطلباته، مما أعطى صورة مثالية لصلاحية التشريع الديني في هذا الزمان، وها هو باذن الله مقبل على خطوة عظيمة في مساره القضائي، حيث يعتزم الديوان البدء بتطبيق المحكمة الالكترونية في مستقبل أيامه القريبة، كما أن الديوان اعتنى بتأهيل القضاة عن طريق دورات لجميع القضاة داخل المملكة وخارجها، وهو ايضا بصدد إنجاز مشروع علمي كبير يتمثل في تصنيف المبادئ القضائية لتكون خير معين للقضاة في عملهم. وأشير هنا إلى القفزات التطويرية لهذا المرفق القضائي، وما يمر به هذا القطاع الهام من قطاعات الدولة من توسع مشهود على مستوى المناطق، ففروع الديوان - وقد أصبح مسماها بالقرار الصادر أخيرا من معالي رئيس ديوان المظالم الشيخ محمد عبدالله بن محمد الأمين محاكم ادارية وفقا لنظام ديوان المظالم الجديد - بدأت تنتشر في هذه البلاد، وهي خطوة من خطوات التطوير تنبئ عن مدى الاحساس العميق بأهمية خدمة المواطنين والمقيمين على أرض المملكة، وتسهيل مهمة التقاضي لهم، حيث شهدا في الفترة القريبة الماضية احتفاء الدوان بافتتاح فرع جديد له بمنطقة القصيم ليكون علما من أعلام القضاء، به يستبشر الناس وينالون به حقوقهم، وتأذن به الدولة وتباركه وترعاه وتدعمه، وفي هذا المسار فقد اعلن مسؤولو الديوان مؤخرا عن عزم الديوان - قريبا - فتح محكمة إدارية جديدة بمنطقة حائل، تليها ان شاء الله محاكم أخرى في بقية مناطق المملكة، في ظل الرعاية والدعم غير المحدودين من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أيدهما الله بنصره.