الاقتصادية - السعودية من أخطر التحديات التي تواجه عملية بناء أي مجتمع "الجهل"، وتكمن خطورته حين تقع بين يدي الجاهل أداة تمنحه فرصة ليؤذي بها الناس أو يخدعهم، لأن لديه وقت فراغ فشل في استثماره. وينتشر الجهل سريعا حين يستقبله جاهل آخر اعتاد أن يقضي وقت فراغه في إساءة استخدام التقنية، حين صدَّق نبأ وصله من فاسق ليسارع بنشره للناس دون أن يتبين! ولا يمكن أن يسقط العاقل في فخ التقنية أكثر من مرة دون أن يكون قد تعلم من درسه الأول، حين وصلته رسالة تحمل معلومات اعتقد في بداية الأمر أنها صائبة فتداولها لأنها عُززت بعبارات مثل "انشروها لتعم الفائدة أو انشر تؤجر" وفيما بعد اكتشف أنها مجموعة من الأكاذيب أعطى من فبركها لنفسه الحق بالتشكيك في عقيدة وتديّن الآخرين لتبرير سلوكه المشين. لم أجد بربرية في رسالة مثلما وجدت في تلك الرسالة الصوتية من "امرأة حاقدة" مع الاعتذار لنزار قباني، حين رصت امرأة بلكنة مصطنعة جملة من الاتهامات الشنيعة بطريقة سوقية بحق بعض عضوات مجلس الشورى بغرض تشويه سمعتهن وإثارة الشبهات حولهن وشحن الأنفس ضدهن، مستخدمة الأسلوب نفسه الذي يستخدمه المرتزقة بتشويه سمعة الشرفاء بحجة حماية المجتمع والفضيلة! وعادة حين تختلف "السيدة المحترمة" في وجهة نظرها مع آخرين لا تنزل بمستواها بألفاظ مبتذلة ولا تستخدم لغة غير مهذبة، ولكن هذا يعيدنا إلى خطورة ما يصنعه الفراغ في حياة الجاهل. ومع ذلك قابلت السيدات الإساءة بالعمل، ليس ضعفا كما أعتقد، بل لأن صاحب العلم الحقيقي رفيع المستوى يحترم عمله ويعرف قيمة الوقت الذي قلما يهدره، مع العلم إذا فكرت أي عضوة في رفع دعوى على صاحبة الرسالة سيكون من السهل جدا على الجهات الأمنية في الدولة التعرف على هويتها، خاصة أن من يسمع الصوت واللكنة المصطنعة سيشعر بأنه مألوف! وعلى صعيد آخر، أحمِّل الإعلام الرسمي وزر التغطية السطحية التي يقدمها للمجتمع على استحياء، إذ لم تفِ حتى الآن بمستوى الإنجازات التي سجلها مجلس الشورى هذه الدورة بالذات، ولم تتناول عمق وأهمية القضايا التي طرحتها العضوات في التجربة الجديدة حين حركن المياه الراكدة بطرقهن لمواضيع جديدة وتوصيات تهم جميع أفراد المجتمع حتى إن لم تتم الموافقة على بعضها، ولكن في المقابل كان الإعلام يعرف جيدا كيف يسخر طاقته القصوى لتغطية تفاصيل المشاحنات الكروية على مدار الساعة بإخلاص منقطع النظير، في الوقت الذي كنا نأمل منه العمل على رفع الوعي ومواكبة احتياجات المجتمع، ومن الضروري الآن أن يعيد دراسة أولوياته، ومع أن المساحة لن تسعفني، ولكن من باب الاعتراف بالحق لنذكر أنفسنا "ببعض" المعلومات المهمة، مثل حصول المرأة على أول حق من حقوقها المُغيبة بعد أن قدمت الشوريات رؤية واضحة لواقع حاجة المرأة لتملك سكن، فحصد موافقة أكثر من نصف المجلس على توصية مساواتها بالرجل في حق القرض العقاري. ولا ننسى كيف انهالت العضوات بالنقد اللاذع على وزارة الشؤون الاجتماعية أثناء مناقشة التقرير السنوي، وأثارت أخريات قضايا الإساءات في المراكز الاجتماعية ودور الإيواء، وتعثر المشاريع، وضعف إعانة الضمان الاجتماعي، وطالبن بإعادة دراسة الإعانة وزيادتها لتفي بمتطلبات الأسرة ومواكبة ارتفاع المعيشة. وطرحت إحداهن قضايا التعذيب والإهانة وقضايا التحرش بالمعوقين عقليا التي انتشرت وطرحت العام الماضي، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ناقشت أكثر من عضوة تدني مستوى كفاءة التعليم وعدم تناسبها مع الميزانيات الطائلة التي تصرف على التعليم، وفتحن ملف المعلمات اللواتي أصبن في الحوادث إن كانت تقوم وزارة التعليم بمتابعتهن، وطالبن بحلول جذرية ونقل من تعرضن لحوادث إلى أماكن قريبة من سكنهن، وتكريم المتوفيات وأهاليهن ماديا ومعنويا بما يليق بمهنة التعليم واعتبارهن "شهيدات واجب"، وطالبن أيضا بالإسراع بإقرار التأمين الطبي وبدل السكن "للمعلمين والمعلمات"، وأن يصرف للمعلمة "بدل منطقة نائية"، وتساءل عدد من العضوات في أكثر من مناسبة عن مصير الدراسة التي سبق أن طرحت لتوفير التأمين الصحي لجميع المواطنين، وتحويل المستشفيات الحكومية، وتحديدا التخصصية منها، إلى مؤسسات عامة، كما طالبن خلال مناقشة التقرير السنوي لمصلحة الزكاة والدخل، بضرورة توسيع دائرة المستفيدين من إيرادات المصلحة، وأن يشمل الصرف أصحاب الدخل الضعيف، وربما الأمر الذي مازال ينقص المجلس في هذا الوقت المهم من تاريخ الدولة، عدم وجود أعضاء من ذوي الاحتياجات الخاصة والذين من المفترض أن يمثلوا فئة مهمة من نسيج المجتمع، لنقل صورة كاملة عن التحديات التي تواجههم وأخذها لمرحلة متقدمة لتساعدهم على العيش والتحرك بحرية أكثر كبقية الناس، وأتمنى أن يتفاعل مع الاقتراح صاحب القرار. أعضاء مجلس الشورى شكرا على مجهوداتكم سواء أصبتم أو أخطأتم، حتى لو اختلف بعضنا مع المواضيع والنتائج، يكفي أنكم تقضون ساعات طويلة من أجل تنمية هذا الوطن ومن أجل تحسين حياة آخرين. أخواتنا الفاضلات سيدات الشورى (مهما ارتفع صوت أعداء النجاح، سيظل الكثير من العقلاء حولنا يستخدمون عقولهم للوصول للحقيقة وليس رسائل "الواتس أب". لكم منا كل الحب والتقدير.