عبدالله عبدالعزيز المحمود ألفا بيتا - السعودية لازال حديثي يدور حول الاستقلالية لأعضاء مجالس إدارات الشركات، هذه الاستقلالية تُعين العضو على اتخاذ قراراته وأبداء أراءه فيما يعتقد أنه الأفضل للمساهمين، لا الأفضل لمن تكرم عليه ورشحه لهذا المنصب. إذاً فالاستقلالية تبدأ من إجراءات التعيين بأن لا يكون لأحد أعضاء المجلس أو مديري الشركة، فضل على العضو في الترشيح والتعيين في المجلس، الأمر الذي يجعل هذا العضو مدينٌ بالفضل لمن رشحه وعينه. لقد جرت العادة أن يقوم المجلس بالتعاون مع لجنة الترشيحات على ترشيح الأعضاء للمناصب الشاغرة في مجلس الإدارة، ثم الحصول على الموافقة الشكلية من المساهمين في أقرب اجتماع للجمعية. هذا العضو الجديد سيشعر بالفضل والامتنان لمن رشحه وعينه، بل إنه قد يذهب إلى أبعد من ذلك، ويكون مجرد بصّامة للقرارات التي يُريد من رشحه موافقته عليها. لا يوجد لدينا إحصاءات أو دراسات عن الوضع والكيفية التي يتم من خلالها تعيين أعضاء مجالس الإدارات للشركات المساهمة، لكن إذا علمت عزيزي القارئ أنه في إحدى الدول العظمى المتقدمة، أظهرت دراسة في عام 2003م، أن نصف أعضاء مجالس الإدارات للشركات المساهمة تم تعيينهم بناء على علاقات شخصية مع أعضاء ومديري الشركة، فإنك ستجزم أن الوضع لدينا أسوء بكثير. قبل أن ندخل أكثر في إجراءات التعيين، علينا أن نفهم أولاً كيف يتم تشكيل مجلس الإدارة؟ في المملكة العربية السعودية أخذت لائحة الحوكمة بنظام المجلس الواحد الذي يكون أغلب أعضاءه من غير التنفيذيين، مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب أن يكون ثلث المجلس من المستقلين، على أن لايقل هذا الثلث عن عضوين في المجالس الصغيرة. بالنظر للشركات المساهمة، نجد أنه في عدد كبير من الشركات، يكون جميع الأعضاء من غير التنفيذيين. السؤال مالذي يفعله مجلس إدارة مُشكل من غير التنفيذيين بالكامل؟ أو منهم ومن المدير التنفيذي فقط كممثل للتنفيذيين. غير التنفيذيين بمن فيهم المستقلون بعيدون كل البعد عن الشركة، ودورهم ينحصر في الرقابة، والمتابعة، ومناقشة الخطط الاستراتيجية. لذا فلا بد من تمثيل جيد للمديرين التنفيذيين في المجلس؛ حتى نُوجد روح التواصل والتفاعل والمناقشة الفعّالة الهادفة المبنية على معلومات تقدمها الإدارة التنفيذية للمجلس. لتحقيق هذا الغرض يُفضل أن يكون المجلس مقسماً بالتساوي بين التنفيذيين، وغير التنفيذيين، والمستقلين. أعتقد أن موضوع مكافآت أعضاء مجلس الإدارة والذي يُعطي هؤلاء الأعضاء مكافآت ضخمة مقابل أعمال قليلة، ساهم في كون التعيين والترشيح للمجلس تشريفاً لا تكليفاً، ولعلي أُعرج على هذا الموضوع في مقال لاحق بإذن الله تعالى. داخل المجلس، من المعتاد أن تقوم الإدارة التنفيذية بتقديم خططها الاستراتيجية وأهدافها لمجلس الإدارة لمناقشتها والتصويت عليها، ثم تقوم بعد ذلك الإدارة التنفيذية بالعمل على وضع هذه الخطط حيز التنفيذ، ويأتي دور الأعضاء غير التنفيذيين في المتابعة والمراقبة؛ للتأكد من أن الإدارة التنفيذية تقوم بعملها بما يحقق أهداف الشركة وتطلعات مساهميها. لذا فلا بد من وجود تمثيل كاف للمديرين التنفيذيين في المجلس، يسمح لهم بتوضيح خططهم ووجهات نظرهم لمجلس الإدارة، ومناقشتها، والدفاع عنها، والتصويت عليها. نعود للتعيين، لا شك أن البحث عن عضو غير تنفيذي أو مستقل يتمتع بالخبرة والمهارة والاستقلالية، أمر صعب جداً، لكن لو قامت هذه الشركات بتوسيع دائرة البحث بما وراء دائرة العلاقات، والمعارف، والروابط الأسرية، وكبار المساهمين (كبار المساهمين يمكن الاستفادة منهم كأعضاء غير تنفيذيين)، للنظر في إمكانية تعيين الأكاديميين، والموظفين، وأصحاب الخبرات المهنية المختلفة كمستقلين، كل في مجال تخصصه وخبرته بما يخدم أهداف الشركة. قد يقول قائل إن هؤلاء لا يملكون الخبرة في الأعمال التجارية، فالرد يكون: إن برامج التطوير والتدريب، ومساعدة هؤلاء بتوفير المعلومات عن الشركة، كافية لجعلهم يوظفون خبراتهم ومهاراتهم بما يخدم مصالح الشركة ومساهميها. ويكون تعيين هؤلاء عن طريق الجمعية العمومية، بالتصويت عليهم بناء على سيرهم الذاتية والمعلومات التي يقدمونها للشركة عن سبب رغبتهم في التعيين في المجلس، ومالذي سيقدمونه للشركة ومساهميها. يبقى موضوع المكافآت الضخمة عائق كبير لا بد من التخلص منه، لأن هذه المكافآت جعلت مناصب مجالس الإدارات مطمع للكثير، فهي بمثابة راتب بمتوسط شهري يعادل 20 ألف ريال تقريبا مقابل عدد قليل من الاجتماعات في السنة. مع الأخذ في الاعتبار أن هذا المتوسط سيزيد إلى 45 ألف ريال تقريباً مع نظام الشركات الجديد. أمر آخر مهم هو إنقاص مدة عضوية المجلس إلى سنة أو سنتين، مما يتيح للمجلس وللمساهمين عبر الجمعية العمومية إنهاء عضوية من يثبت عدم جديته وإخلاصه وتفانيه من الأعضاء غير التنفيذيين أو المستقلين. ختاماً، نريد استقلالية حقيقة في مجالس الإدارات للشركات المدرجة تساهم في تنميتها، واستدامتها، وحماية السوق من الأزمات والفضائح المالية، وتقوية الاقتصاد الوطني.