د. محمد آل عباس الاقتصادية - السعودية في تصريح صحافي مثير جدا نشرته "الاقتصادية" عن وضع رأي المحاسبين القانونيين ورأي هيئة السوق المالية في استحداث آليات جديدة لإدارة مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة وخصوصا بعد ما تعرضت الثقة بالمعلومات المالية التي تعدها الشركات المساهمة ويعتمدها المراجعون إلى اهتزاز كبير، من المدهش لي أن اقرأ أن هيئة المحاسبين القانونيين ترى عدم جدوى استحداث مثل هذه الآليات، ومع ذلك يؤكد الأمين العام للهيئة الدكتور أحمد المغامس (وفق ما نشرته «الجزيرة» في عددها الصادر يوم الأحد 26 أبريل 2015) أن المراقبة الميدانية التي تقوم بها الهيئة تأتي متأخرة، أي بعد حدوث التلاعب في القوائم المالية، علاوة على صعوبة إجراء التدقيق الميداني بشكل سنوي، لا فائدة من هذه الرقابة طالما لا توجد عقوبات قوية ورادعة كالإيقاف والمنع من مزاولة المهنة لفترة محددة والعقوبات المالية الصارمة إلى جانب السجن إذا كانت الجريمة جنائية. فإذا كانت هذه هي الحال، فكيف يمكن القول إنه لا توجد حاجة لتغير واقع المهنة في المملكة وخصوصا أن هذه العقبات، التي أشار إليها الدكتور المغامس قادت إلى تعرض الشركات المدرجة في السوق المالية إلى مشكلات في القياس والعرض والإفصاح ومشكلات تتعلق باستقلال المراجعين. من المعلوم اليوم أن مهنة المراجعة في المملكة قد تعرضت إلى الكثير من الهجوم على مستوى العالم طوال رحلتها في القرن العشرين وانتهت بنهاية القرن، وهي تتعرض لأكبر هجوم تاريخي مر عليها مع انهيار شركة إنرون الأمريكية، وقد اندلعت عام 2002 موجة قانونية ضد مهنة المحاسبة والمراجعة هي الأعنف بعد موجة عام 1939م كنتيجة لذلك الانهيار الذي صاحبه انهيار لأكبر مكاتب المراجعة العالمية وهو مكتب آرثرأندرسن، لقد خرجت المهنة في الولاياتالمتحدة من تلك المحنة بوجه غير الذي دخلت به، وتسببت تلك المحنة في تغيرات هيكلية واسعة وأنشئت هيئات رقابية متنوعة وهيئات تشريعية مختلفة وانقسمت مهنة المحاسبة والمراجعة بحسب الأسواق المالية التي تخدمها. وظهر لأول مرة مجلس إشرافي جديد هو،PCAOB Public Company Accounting Oversight Board، الذي تولى الإشراف على مهنة المراجعة التي تخدم السوق المالية وتولى إصدار معاييرها والرقابة على المكاتب التي تعمل في السوق المالية. كما انفصل هذا المجلس الإشرافي تماما عن المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين AICPA الذي اكتفى بالإشراف على المهنيين الذين يعملون خارج السوق المالية. وقد أثبت هذا المجلس الجديد والهيكلة الجديدة للمهنة في الولاياتالمتحدة عمق تأثيرها وخصوصا أن المجلس الإشرافي الجديد PCAOB مجلس مستقل تماما عن المهنيين الممارسين، وهو ما كانت تعانيه المهنة سابقا في الولاياتالمتحدة، حيث كان الممارسون يمثلون مجموعات ضغط على المعهد الأمريكي لتجنب المهنة مسؤوليات تتناسب أو تتقارب مع ما يتوقعه المجتمع منهم. ونظرا للنجاحات التي حققتها الهيكلة الجديدة للمهنة في الولاياتالمتحدة فقد سارع عدد من دول العالم إلى الاستفادة من تجربة المجلس الإشرافي (PCAOB) ووقعت معه الكثير من الاتفاقيات الدولية في عدد من دول العالم لتبني هذا النموذج منها على سبيل المثال لا الحصر (بريطانيا – فرنسا – إسبانيا – هولندا – كندا – اليابان - ألمانيا – دبي). من جانب آخر ولإلقاء الضوء فقط على أهمية ودور هذا النموذج الجديد في المملكة ما حدث من صدور قرار من هيئة السوق المالية بإيقاف أحد المكاتب الكبرى عن العمل في السوق المالية حتى تستكمل الهيئة الفصل في عدد من المنازعات، وقد جاء هذا القرار خارج الإطار التنظيمي لمهنة المراجعة والمحاسبة في المملكة، ولكنه جاء أيضا في ظل إطار صلاحيات هيئة السوق المالية لتنظيم السوق، هذا التعارض الواضح كان يمكن حله ببساطة لو تم إعادة هيكلة المهنة واستحداث آليات جديدة تضمن لهيئة السوق المالية أن يكون خضوع المراجعين العاملين في السوق لمستويات رقابية وإشرافية أعلى وأكثر استقلالية. لذلك فإن القول بعدم الحاجة إلى استحداث آليات جديدة يناقض التوجهات العالمية للمهنة ويضع مهنة المحاسبة والمراجعة لدينا في مكان متأخر لا يليق بما أنجزته المهنة حتى الآن في المملكة ويعيدنا جميعا إلى نقطة الصفر، كما أن في إعادة الهيكلة استعادة ثقة المستثمرين بأسواق الأوراق المالية السعودية التي سببها انهيار أسعار أسهم هذه الشركات. وتعزيز الاستقلال الظاهري لمهنة مراجعة الحسابات، حيث سيتم من خلال النموذج الدولي الجديد عدم مشاركة أي من المهنيين الممارسين في المجالس الإشرافية الجديدة وهو ما يمنع تشكل مجموعات الضغط المهنية ويرفع من درجات مسؤوليات المراجعين في المملكة وهو المطلوب في نهاية المطاف، ومع هذا الاستقلال المهم لهذه المجالس الإشرافية ستحل مشكلة ضعف برامج مراقبة جودة أداء مكاتب المرجعة في المملكة وخصوصا تلك التي تراجع شركات المساهمة المدرجة ويعزز ذلك من فرص اكتشاف حاﻻت المخالفات والتلاعب في القوائم المالية، وبالتالي سوف يساعد في التقليل من اﻟمخاطر في السوق. لذلك أرى أن على هيئة السوق المالية وهيئة المحاسبين القانونيين استشعار دوريهما القيادي في هذه المرحلة والاستفادة من الضغوط القائمة نحو بناء منظومة جديدة من الإشراف الفعال على مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة.