عكاظ - السعودية ناقشت في مقالة الخميس الماضي (حصاد الفستق)* ما تقوم به إيران من جهود لتسخير شبكة الاتصالات العالمية (الإنترنت) في شن حروبها الالكترونية، وتخطيطها لتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات للأغراض المختلفة ومنها العسكرية والأمنية. ورغم أن موضوع مقالتي اليوم هو (الجهاد الالكتروني) أو الاستخدام غير المشروع للشبكة في الإضرار بمصالح الدول والجماعات والإعداد والتنفيذ لعمليات الخطف والقتل والتفجير باسم الجهاد إلا أن هذا لا يمنع من الإشارة لحادثتين هامتين احتلتا الصفحات الأولى ومانشتات الأخبار الدولية والمحلية في الآونة الأخيرة. والدولية هي التي تتحدث عن هجوم إلكتروني كبير تسبب في إبطاء خدمات الإنترنت عبر العالم، بعد استهدافه لشركات تعمل على منع البريد غير المرغوب فيه وتأكيد الخبراء بأن الضرر قابل للتفاقم. أما المحلية فما تردد من بطء وضعف في شبكات الإنترنت داخل المملكة مؤخرا والكشف عن تعرض بعض الشركات لعملية اختراق خطيرة، بسبب استخدامها لمحولات اتصال (راوترز) من نوعية معينة. وبالعودة إلى مقالتنا نجد اهتماما هائلا بمناقشة وتتبع مصادر وأدوات وطرق تمويل (الجهاد الالكتروني) والشبكات المسخرة لخدمته ودعمها فنيا ولوجستيا ومعلوماتيا. ولكن تميزت من بين هذه الدراسات واحدة أعدها الباحثان (بياتريس بيرتون) و (باتريك باولاك) لحساب معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) ونشرت في 30 يناير الماضي. وفي تلك الدراسة لاحظ الباحثان (امرأة ورجل) أنه على إثر مصرع معظم قادة القاعدة بين سنتي (2010-2012) غيرت المنظمة من أساليب التواصل عبر الشبكة من (خطط وأوامر) تصدر من الأعلى إلى الأدنى لتستقبل وتوزع على المعنيين، إلى الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي كالمدونات وصفحات الفيسبوك وفيديوهات اليوتيوب ومجلات النشر الالكتروني وغيرها من الوسائل غير المباشرة. ومع تسارع الأحداث في العراق والشام أثبتت هذه المواقع إضافة لموقعي (كيك) و (سكايبي) نجاح استراتيجية الجهادي الأمريكي (أنور العولقي) الذي كان وراء هذا التحول في الأساليب قبل مصرعه في وقت لاحق في اليمن بقذيفة من طائرة أمريكية مسيرة عن بعد. فقد أصبحت العلاقة بالميدان مع هذا التحول أشبه ما تكون بالمباشرة وتنوعت طرق التواصل بين التنظيمات الجهادية التي تشارك في المعارك وزعمائهم ومناصريهم وداعميهم والمعجبين بهم حول العالم، وهو ما انعكس بدوره على تزايد أعدادهم في سوريا إلى 20 ألفا من 80 دولة ومنهم 3 آلاف من أوروبا. ولم يقتصر النجاح باستخدام المنظمات الجهادية للإنترنت بهذا الأسلوب في التواصل على تجنيد المزيد من المقاتلين فحسب بل تعداه إلى جمع الأموال وإيصال كتيبات (كيف تصنع) لتنفيذ عمليات تخريبية لا يستخدم فيها رصاص ولا متفجرات كالعملية التي نفذها أخوان من أصول شيشانية في بوسطن.. ومن النجاحات التي حققها الجهاديون عبر النت نقل صورة وردية عن حياة المرأة في مناطق سيطرتهم وإبراز نموذج (سيدة الجهاد) لاستمالة الفتيات الصغيرات في أوروبا وإشباع الرغبة في الاشتهار بهذه الصفة مثل الإنجليزية سامانثا لوثويت «الأرملة البيضاء» إرهابية القاعدة المسؤولة عن عمليات إجرامية مدوية في القرن الأفريقي واليمن، والصبية الفرنسية نورا البعثي (15) عاما التي آثرت الانضمام لداعش على تحقيق أحلامها بدراسة الطب. ويستمر التقرير في استعراض أشكال أخرى من النجاحات الإجرامية للمنظمات الجهادية فيشير لمن يعرفون ب (محاربي الإنترنت) الذين يوظفون مهاراتهم في السطو على حسابات بنكية وبطاقات ائتمانية مشيرين ليونس صولي البريطاني المولد الذي عرف أيضا بمسمى (إرهابي 007) ومجموعته الذين تمكنوا من جمع (2,5) مليون جنيه إسترليني لتمويل عمليات التجنيد والصرف على المعلوماتية لحساب القاعدة. ويختتم الباحثان دراستهما برفض الإغلاق الذي تلجأ له بعض الدول في مواجهة مثل هذه النشاطات لأنها مهما كانت شاملة ودقيقة فلن يكتب لها النجاح وبحسب تعبيرهما (تحتاج لشبكة لتسيطر على شبكة). ويريان الإبقاء على الإنترنت مفتوحا مع توظيف وسائل الحرب الالكترونية في تتبع المواقع الجهادية ذاتها وتخريبها أو الاستيلاء عليها قبل أو عند تحرك أي منها لتنفيذ عمل تخريبي كما حدث بالنسبة لموقع (شبكة أنصار الحق) في فرنسا في نطاق الرد على هجمات شارلي إيبدو. كما يريان الإبقاء على سلامة استخدام الانترنت وأمنه بالتحالفات الدولية والجهود التوعوية والتطوعية لمزودي الخدمة وملاك المواقع والمشرفين عليها ومستخدميها مع تطوير إجراءات الملاحقة القضائية للمجرمين والإرهابيين والعمل على ضمان حقوق ضحايا الهجمات الإجرامية. ولذلك آمل أن يكون تواصل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مع المواطنين والمهتمين أكثر شفافية وأن تترك عنها الرمزية والغموض في الإفصاح والتجاوب مع التساؤلات التي تثار من حين لآخر. وعلى الهيئة أن تسعى لتحويل العلاقة مع المهتمين من علاقة بيروقراطية جامدة إلى شراكة ديناميكية منتجة، فالجميع يهمهم أمن وسلامة الانترنت واستخداماته باعتباره وسيلة الاتصال الأهم لمختلف الأغراض في عصرنا هذا، والعديد لديهم من المعرفة والوطنية ما يكفي لتعزيز جهود الهيئة ومساعدتها في النجاح في تحمل مسؤولياتها الجسام وتحقيق غايات بلادنا الوطنية الرفيعة.. ----------------------------------------------------------------------------------------- * حصاد الفستق علي بن حسن التواتي عكاظ في هذه المقالة سأحاول التنبيه لمخاطر الهجمات الالكترونية الإيرانية في الفضاء الافتراضي على مواقع شبكية متعددة في العالم بدوافع بعيدة عن الربحية. أما العنوان (حصاد الفستق) فهو منقول من تقرير أولي لمشروع بحثي مشترك بين المعهد الأمريكي للتهديدات الحرجة وشركة نورس المعلوماتية التي تشرف على شبكة من المجسات الموزعة على مختلف أنحاء العالم لمراقبة ومتابعة النشاطات المختلفة على الإنترنت. ولقد توصل معدا التقرير (فريدريك كيجن وتومي شتيانشن) إلى تفاصيل ونتائج جديرة بالاهتمام فيما يتعلق بالتهديدات الإيرانية للمعلوماتية عبر الشبكة وإمكانية تزايدها مع رفع العقوبات والحظر التكنولوجي عن إيران بموجب الإطار العام للاتفاق النووي المعلن في 2 أبريل 2015. ويحدد التقرير مصادر خطورة إيران في امتلاكها لشبكتين مختلفتين لتكنولوجيا المعلومات، إحداهما محلية تبنى وتطور في إيران، والأخرى عالمية تشترى وتستأجر حول العالم. والقاسم المشترك بين الشبكتين هو تسخيرهما لشن الهجمات الالكترونية على مواقع يعتبرها النظام الإيراني معادية. أما على المستوى المؤسساتي فقد استثمر النظام الإيراني بسخاء على تطوير بنية تكنولوجيا المعلومات في الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة كجامعة شريف للتكنولوجيا وجامعة شاهد بهيشتي والذراع التعليمي للحرس الثوري جامعة مالك أشتار وغيرها. كما نجح في تجنيد الخبراء الإيرانيين في تطوير برمجيات الكمبيوتر والإنترنت والمعلوماتية بصفة عامة بتنمية الدوافع (القومية) في نفوسهم لتعلو على أية دوافع أخرى لخدمة إيران بصرف النظر عن موقفهم من النظام الحاكم في طهران. وسواء شنت الهجمات الالكترونية لحساب النظام الإيراني من داخل إيران أو من خارجها من أفراد بدوافع قومية أو من مؤسسات يشرف عليها النظام فإن خطورتها تنبع من تسخيرها لأغراض الأمن الوطني الإيراني والحرب الإلكترونية تجاه الدول والمؤسسات التي يعتبرها النظام معادية. ورغم الفشل في معظم الهجمات الالكترونية التي شنت حتى الآن من إيران، إلا أن ذلك لم يمنع من تحقيقها لبعض النجاحات الرئيسية في عدة مناسبات منها حرمان بعض المؤسسات المالية الأمريكية سنة 2011 من الدخول لمواقعها على الإنترنت وذلك بضخ كميات هائلة من المعلومات (القمامية) لملء السيرفرات وجعلها في حالة انشغال وعجز عن تحمل المزيد من الحركة. وقد شمل هذا التخريب مجموعة (جي بي مورغان شيس) المالية و(سيتي بانك) وبنك أمريكا انتقاما من دقتها في تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران. وتمكن المخربون الإيرانيون في مناسبة أخرى من النفاذ لموقع كازينو في لاس فيجاس سنة 2014 وإغلاق العديد من عملياته انتقاما من مالكه (شيلدون أديلسون) لتصريحات مناوئة لإيران أدلى بها سنة 2013. وفي مناسبة ثالثة تمكن المخربون الإيرانيون من شن هجمة ناجحة في أغسطس سنة 2014 باستخدام الفيروس الكمبيوتري (شمعون shamoon) على خوادم شركة (أرامكو) السعودية دمروا خلالها كميات هائلة من المعلومات التي كان من الممكن أن تذهب للأبد لولا احتفاظ الشركة بنسخ احتياطية من بياناتها يتم تحديثها على مدار الساعة. وصرح نائب رئيس شركة «أرامكو» للخدمات الهندسية حينها عبدالله السعدان أن المهاجمين تمكنوا من زراعة فايروس تخريبي قام بحذف ملفات رئيسة وتعطيل 30 ألف جهاز حاسب تقريبا قبل أن تتمكن الشركة من السيطرة على الوضع بعد يوم واحد. ويبقى أن نعرف أن التقرير يؤكد على أن تركيز القيادة الإيرانية على تكنولوجيا المعلومات هو خيار استراتيجي أكد عليه زعيمها الروحي علي خامنئي في توجيهاته العامة للحكومة في فبراير 2014 بهدف الوصول بهذا القطاع للمرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وعبر عنه الرئيس روحاني بإعلانه بأن هدف حكومته الكمي هو استحداث (100) ألف وظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات بحلول 2017. ورغم أنه من المطمئن بحسب مسح الأممالمتحدة الإحصائي عن (الحكومة الالكترونية) احتلال إيران لمرتبة متأخرة (105) على مستوى العالم، وأن كل دول مجلس التعاون تحتل مراتب متقدمة في هذا الترتيب التي تميزت منها المملكة (36) والإمارات (32) والبحرين (18) إلا أن المقلق هو أن ترتيب إيران في مدى توفر رأس المال البشري للعمل في هذا المجال قريب لما يتوفر في الأردن، والكويت، ولبنان، وليس بعيدا عن القائدة (دولة البحرين). ولذلك آمل أن تتنبه وزارات الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئات الخليجية والعربية ذات العلاقة لحقيقة أن الأمن الوطني اللآن والحروب المحتملة في المنطقة ستكون معلوماتية بالدرجة الأولى، ما يعني الحفاظ على الفارق التقني القائم حاليا مع إيران والعمل على تجاوز الفجوة القائمة مع إسرائيل أو موازاتها. وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بالإرادة والعمل والاستفادة من كافة الموارد المتاحة خاصة البشرية منها وتطويرها باستمرار قبل فوات الأوان..