الحياة دولي من دون أدنى تردد أو حذر، بل بنوع من التباهي والفخر، حملت الإعلامية التونسية كوثر البشراوي «بوطاً» عسكرياً من تحت الطاولة، وراحت تحتضنه وتقبله، وكأنها تقبل طفلاً وديعاً، قائلة إن هذا الحذاء وصلها كهدية من جندي سوري لدى زيارة لها في منطقة صيدنايا القريبة من دمشق، معتبرة أن السلام لا يأتي إلا من خلال هذا ال «بوط». المشهد الذي ظهر على شاشة الإخبارية السورية الرسمية، التي استضافت البشراوي، بدا كحركة مسرحية ساخرة، مثيرة للاستياء، فالبوط العسكري في مختلف الثقافات يرمز إلى الطغيان والاستبداد، وهو السلاح، الأكثر خسّة، الذي يستخدمه الجنرالات ل «إذلال» المعارضين لهم، وهو حتى في الثقافة الشعبية البسيطة يستخدم كدلالة على «النبذ»، غير أن كل ذلك لم يمنع الكاتبة التونسية من التفاخر وهي تعلق الآمال على «بوط» قتل وشرّد ملايين السوريين. لم يكن لأحد أن يتوقّف عند رأي البشراوي الداعم للنظام السوري، لو أنها عبّرت بالكلام، غير أن هذه الحركة الكوميدية المزعجة حملت إهانة لكثير من السوريين المعارضين، ولم تكن هذه الحركة المفبركة على عجل، عفوية، بل لا بد أنها جاءت بتنسيق مسبق مع معدّي البرنامج، وهو ما يشير إلى الرداءة التي وصل اليها الإعلام السوري الرسمي الذي لم يعد يبالي بأي تقاليد إعلامية في سبيل تكريس وجهة النظر الرسمية. المفارقة ان اسم البرنامج الذي احتضن هذه المسرحية هو «كلام سياسي». لكن من الواضح أن هذا العنوان فضفاض على نحو أثار الحماسة لدى الضيفة التي اعتبرت ان هذا «البوط» هو أغلى هدية تلقتها، فتركت الكلام السياسي وراحت تلوذ بهديتها الغالية، لتحتفي ب «بوط» الجنرال، وهي المعروفة ببرامجها الثقافية التي كانت تحتفي بقيم الحق والجمال والعدل. وإزاء هذا المشهد الصادم، لم يبق لأي رأي سبقه أي معنى، فالضيفة تحدثت عن الإسلام السياسي والعيش المشترك وقيم التسامح، ثم محت كل هذا الحديث المنمّق بقبلة ختامية قاتلة، في موقف عبّر عن ذلك البون الشاسع بين المقولات الطموحة وبين الممارسات المناقضة لها، وهي ازدواجية يتورّط فيها كثير من النخب. واللافت ان الضيفة المحجبة، وفي غمرة الحماسة، لم تتوانَ عن مهاجمة قنوات إعلامية هي نفسها عملت فيها لسنوات، وحصلت على شهرتها منها، وراحت تشنّ هجوماً عنيفاً على تلك الفضائيات من استوديو تلفزيون معروف بتضليله وأكاذيبه. المرجّح ان قبلة الإعلامية التونسية، التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، ستبقى في الذاكرة، ولكن كإشارة على الانحطاط الذي بلغه الإعلام، خصوصاً أن الطعنة الفضائية جاءت هذه المرّة من شخصية إعلامية يفترض أن أداتها هي القلم، لكنها استبدلته ببوط سيمثل نقطة سوداء تشيد بالحل العسكري الذي لم يجلب لسورية سوى الخراب والدمار والتشرّد.