الاقتصادية - السعودية منذ سنوات كتبت مقالا يتناول موضوع الإنجاب، وما إذا كان قرار الإنجاب قرارا فرديا أم مجتمعيا. ويرمي المقال إلى التزايد المطرد للكثافة السكانية بالنظر إلى حجم الموارد الموجودة ومستوى الدخل الفردي للعائلة. وكالعادة انبرت التعليقات والملاحظات دفاعا عن حرية الفرد في حجم أسرته وعدد الأطفال، وأن الدولة موسرة وقادرة على تحمل عبء التزايد السكاني، وتم الاستشهاد مكثفا بالحديث الشريف عن تفاخر سيدنا رسول الله- عليه الصلاة والسلام- بتكاثر الأمة. وكل هذا لا اعتراض لي عليه، حيث إنني من المؤمنات بحرية الفرد في قراراته الأسرية. لكن نمط المعيشة لا يسير في خط مستقيم، والحياة تقذف في طريقنا بالتحديات والمصاعب فوق طاقة أغلب أرباب الأسر. ومن خلال عملي تردني أسئلة كثيرة عن تدبير المعيشة، خاصة ممن ينتمون إلى أسر كثيرة الأطفال. ودائما أتساءل: ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ هل فعلا من العدل الزج بهم في مصير متواضع لمجرد أننا قررنا الإنجاب؟ لنلقي نظرة على الموضوع من ناحية علمية. انتشر أخيرا في الإعلام الأمريكي بحث جديد يقارن حجم أدمغة بعض الأطفال من طبقات اقتصادية متباينة. وتشير بعض الدراسات إلى العلاقة الطردية بين حجم الدماغ ومعدل الذكاء. وفي دراسة حديثة بمعهد أبحاث الدماغ في جامعة MIT قام بعض العلماء بمقارنة أدمغة أطفال بعمر 12-13 عاما من عائلات موسرة بأدمغة أطفال في العمر نفسه ينتمون إلى عائلات فقيرة. وأظهرت الأشعة في الدراسة أن منطقة معينة في الدماغ تسمى (necocortex هي مسؤولة عن الذاكرة والتعلم) أقل سماكة في أبناء طبقة الدخل المنخفض. وتعد هذه المنطقة الدماغية شديدة الأهمية للطلاب الصغار، حيث عادة ما تجري عليها اختبارات قياس مستوى التعلم واستيعاب كميات كبيرة من المعلومات، وأن الطالب الذي تقل سماكة هذه المنطقة في دماغه ينخفض أداؤه في اختبارات التعليم القياسية. ووجد البحث أن أكثر من 90 في المائة من الأطفال (الموسرين) يتحصلون على درجات مرتفعة في الرياضيات واللغة مقابل 60 في المائة فقط من أطفال العائلات الفقيرة. بالطبع الأبحاث في هذا الموضوع مستمرة لإيجاد صلة مثبتة علميا بين التركيب الفسيولوجي للطفل والبيئة الاقتصادية التي ينشأ فيها. من جهة أخرى، فإن الصلة بين الفقر والمرض وثيقة، وهذا مثبت علميا منذ عقود، لكن لندع الفقر المدقع جانبا وننظر إلى أسر الطبقة المحدودة الدخل، ولنتفكر قليلا في مصير الأطفال ليس من حيث الغذاء والكساء، بل من حيث المستقبل. ما احتمالات تفوق هؤلاء الأطفال ونجاحهم في الحياة؟ في أسرة مكونة من أب وأم وستة أبناء ستكون إدارة الحياة أصعب منها لأسرة بثلاثة أبناء في التعليم والكسوة والغذاء والرفاهة وحتى الرعاية الفكرية لهؤلاء الأطفال. وعادة ما يتم إقحام الدين في مسألة الإنجاب والتنظيم الأسري ولا تزال الأغلبية العظمى ترى أن الطفل سيأتي رزقه معه، وبالطبع كمسلمين موحدين فإننا نؤمن بأن الرزق مكتوب من رب العباد، لكن السر يكمن في التفاصيل، وكما أن الله تعالى أعطانا القدرة على التكاثر فإنه حدد لنا إمكاناتنا وقدرتنا في طلب المعايش. ولأن متطلبات الحياة في ازدياد والتنافسية بين الشعوب تعتمد على الكيف لا الكم، فإنه من الضروري رفع الوعي الأسري حول المسألة. وهنا أناشد حكومتنا الرشيدة بالبدء في برنامج التخطيط الاقتصادي للأسرة، بحيث يتفكر المقبلون على الزواج في نمطهم المعيشي وما يطمحون إلى تحقيقه في السنوات المقبلة. والله الموفق