د. هيثم باحيدرة الاقتصادية - السعودية إن وضع وتطبيق سياسات عامة لتشجيع تطوير واعتماد تقنيات الطاقة المتجددة هو أمر ضروري، ذلك لأن جهود خفض الكربون لا يشعر بها معظم المستهلكين، كما أن الكربون ليس مسعرا في السوق العالمية. ومع ذلك فهناك نقص كبير في الثقة بالجهود التي يبذلها القطاع العام لتحفيز الابتكار، وذلك نتيجة لتاريخ الحكومات المتناقض في تحديد التقنيات الفائزة والخاسرة والانتقاء من بينها. وتدرس حاليا بعض الحكومات خفض دعمها لمشاريع الطاقة المتجددة. فقد أصبح مستقبل الخصم الضريبي الممنوح لمشاريع طاقة الرياح الجديدة في الولاياتالمتحدة غير مؤكد، بينما تناقش المملكة المتحدة تقليص الدعم المقدم لبعض مشاريع الطاقة المتجددة، وتخفيف الأهداف الموضوعة لخفض انبعاثات الكربون، أما إسبانيا فقد تخلت عن برنامج الحوافز وعن التزاماتها بتطبيق أسعار كهرباء خاصة لمحطات الطاقة المتجددة. كما فشلت بلدان الاتحاد الأوروبي في التوافق على هدف مشترك ملزم لاعتماد التحول إلى الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. ولكن الوقت الحالي ليس وقتا مناسبا لخفض الدعم الحكومي المقدم للطاقة المتجددة، فكل يوم نتأخر فيه عن تنفيذ تقنيات الطاقة منخفضة الكربون، يزيد من احتمال الأضرار الناجمة عن تغير المناخ من العواصف والفيضانات إلى حرائق الغابات. وقد كانت استجابة صناعة الطاقة العالمية لوضع سياسات تدخلية أمرا ملحوظا. وبفضل قيادة الصين وأوروبا والولاياتالمتحدة واليابان ازدهر قطاع الطاقة البديلة في جميع أنحاء العالم، وتحسنت تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمعدلات سرعة غير مسبوقة في العقود الثلاثة الماضية، وأصبحت وحدات الطاقة الشمسية أرخص مائة مرة اليوم عن أسعارها عام 1975. ونحن لم نشعر بتسارع ابتكارات تقنيات الطاقة إلا أخيرا فقط عندما أصبحت مجموعات البيانات طويلة الأجل متاحة. حيث أظهرت تحليلات بيانات 30 سنة أو أكثر أن تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة قد انخفضت بشكل حاد. فقد انخفضت تكاليف الوحدة الضوئية بنحو 10 في المائة سنويا على مدى ال 30 عاما الماضية، بينما انخفضت تكاليف توربينات الرياح بنحو 5 في المائة سنويا. وارتفعت مستويات إنتاج هاتين التقنيتين بنحو 30 في المائة سنويا في المتوسط. وكان وراء التطورات التقنية المسؤولة عن تحقيق هذه النتائج كل من السياسات العامة التي وضعت، واستجابات الصناعة لهذه السياسات. وتنفق الحكومات مبالغ متواضعة نسبيا على أبحاث الطاقة المتجددة، بما يقارب خمسة مليارات دولار سنويا على مستوى العالم، أي أقل من واحد على عشرة من المبلغ المخصص للبحوث الصحية. ولكن تطبيق الحوافز الحكومية أمر ضروري لضمان نمو السوق، حيث تؤدي هذه الحوافز إلى تحقيق استثمارات للقطاع الخاص في مجال تقنيات الطاقة النظيفة بنحو 250 مليار دولار سنويا على مستوى العالم. وعلى الرغم من هذا النجاح فالمشرعون في كثير من البلدان يدرسون قضية الدعم العام للطاقة النظيفة. ويرى البعض في الولاياتالمتحدة أن هذا الدعم ينبغي أن يقتصر على تمويل البحوث الأساسية وأعمال التطوير في الجامعات والمختبرات الحكومية، حيث يشيرون إلى الفشل الأخير لعدد محدود من شركات الطاقة البارزة مثل سوليندرا التي حصلت على منح أو قروض حكومية في مستهل عملها. ولكن هؤلاء النقاد يتناسون أن التقنيات متغيرة القواعد هي مشاريع ذات مخاطر عالية، وأن وقوع بعض حالات الفشل هو أمر لا مفر منه. وبعض التقنيات هي أكثر قبولا لعملية التحسين من غيرها. فالأنظمة المدمجة وأنظمة الوحدات مثل وحدات الطاقة الشمسية والإلكترونيات يسهل إجراء التجارب عليها. والعمليات التي يمكن تحقيقها من خلال التصاميم أو المواد البديلة تحمل المزيد من سبل تحقيق التقدم. فعلى سبيل المثال تنوع أشباه الموصلات هو السبب وراء التطورات الأخيرة في خلايا الكالسيوم تيتانيوم الشمسية ذات الكفاءة العالية، بينما يكون إدخال تحسينات على بعض التقنيات الأخرى أمرا أصعب. والتقنيات التي تستلزم استخدام سلع ذات تكاليف عالية مثل توليد الكهرباء من حرق الفحم سرعان ما ستصل إلى أدنى تكلفة في السوق. ويجب على الحكومات المساعدة في الحفاظ على هذا التقدم، فالاستمرار في تمويل البحوث وتطبيق سياسات لتعزيز الأسواق من شأنه تطوير صناعات الطاقة الجديدة وتشجيع الجيل القادم من التقنيات منخفضة الكربون.