د. هتون أجواد الفاسي الرياض - السعودية محاولة طلبتنا المبتعثين في بلاد الغربة لأن يستكملوا رحلتهم في سبيل الله لنيل الدرجات العلى وتحقيق الآمال والطموحات لبناء وطنهم وخدمته، تتخللها الكثير من الآلام والتحديات. وفي المرحلة الحالية يخوضون تحديات جديدة طرأت مع بداية المرحلة الثالثة لمشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي والذي وافق تولي معالي الدكتور عزام الدخيل وزارة التعليم (وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي السابقتين) واتخاذ بعض الإجراءات الإدارية التي تسعى إلى تطوير العمل، وكما قال في تغريدته في 23 مارس 2015 أن "الابتعاث مصدر مهم لنقل العلوم والتجارب المتميزة؛ لذا سوف يستمر الابتعاث مع العمل على تطويره لضمان الاستفادة القصوى منه بما ينسجم مع أهدافه". والأزمة التي تفاقمت بين المبتعثين والوزارة وعبر عنها عدد كبير من المبتعثات والمبتعثين من خلال الوسوم #إلغاء_ترقية_البعثة، #إلغاء_ترقية_البعثة_قرار_تعسفي، و#متضرري_إيقاف_ترقية_البعثة بدأت بقرار وزارة التعليم نشرته صحيفة مكة في 5 مارس 2015، بنزع ثلاث صلاحيات من الملحقيات الثقافية تخص الابتعاث وأخضعتها للموافقة المباشرة من قبل الوزارة قبل السفر إلى بلد الدراسة، وهي: ترقية البعثات، والموافقة على الدراسة على نفقة المبتعث الخاصة، وضم الدارسين على نفقتهم الخاصة لبرامج الابتعاث. وشكلت الصلاحية الأولى "ترقية البعثات" أكثرها إشكالية بين المبتعثين لما ترتب عليها من تضييق وتعطيل وخسارة وربما إنهاء أحلام الكثيرين. ففي حين أنها تعني تقدم الطالب/ة بطلب لرفع الدرجة الدراسية لبعثته إلى درجة أعلى وهو في بلد الابتعاث، فإن هذا تم إلغاؤه لتنتهي البعثة مجرد الانتهاء من المرحلة الدراسية الأولية، وترتب عليه، كما يشرح أحد الطلبة: "المعاناة الكبيرة جهدا ومالاً من بيع سياراتهم وإنهاء عقودهم السكنية والتصرف بأثاث مساكنهم، بل المعاناة المضاعفة لأصحاب العوائل"، وآخر يقول "إن على من يرغب مواصلة الدراسة أن يعود للمملكة لطلب بعثة جديدة وينتظر الموافقة، وإذا جلس في المملكة أكثر من خمسة أشهر فعليه أن يستخرج فيزا دراسة جديدة، وينقل أبناءه مرة أخرى لمدارس مختلفة، ويشتري سيارة ويستأجر بيتا ويؤثث من جديد"، ويستخرج رقم هاتف ويفتح حسابا بنكيا وتأمينا للسيارة وكل ما يتصل بذلك، دع عنكم إن استغرق موضوع الترقية ستة أشهر أو أقل أو أكثر، ففي هذه الحال تزيد المسألة تعقيداً لعدم وجود دخل شهري للأسرة، وصعوبة اتخاذ قرارات تتصل بالأسرة، بالأطفال، بالعمل، بالمدارس. فهل يحتاج المبتعث المنتظر أن يسجل أبناءه، أو يبحث عن عمل، أو "يشحذ من أهله مبالغ للصرف على عائلته؟" كما يقول أحدهم. هذا ويبلغ عدد الطلبة ممن هم في هذه المرحلة حوالي مئة ألف طالب وطالبة، وفق أحد الطلبة، ولست متأكدة من الرقم. أي نصف عدد المبتعثين البالغين حوالي مئتي ألف مبتعث ومبتعثة. وكما ترون فإن هناك تبعات للعودة بعد انتهاء بعثة، وتبعات أخرى لإعادة الإجراءات مرة أخرى بعد الحصول على ترقية ببعثة جديدة. وكلها إجراءات منهكة للطالب، للأسرة، للأطفال، هدر للوقت والجهد غير ذي طائل، فضلاً عن الخسائر التي يتكبدها الطلبة بناء على عملية التغيير هذه التي ترافق الاستقرار الأولي والمغادرة وإعادة الكرة من جانب وتتحملها الوزارة من جانب آخر، لالتزامها بتبعات إنهاء البعثات المالية وتبعات تأسيس المبتعث واستقراره. أما الموضوع من وجهة نظر الوزارة وفق معالي الوزير، فإن شبهة إلغاء الابتعاث غير صحيحة، ولكن سوف تكون هناك عملية تطويرية للتجربة. وهذا يعني أن تقييماً ومراجعة لكثير من تفاصيل تجربة الابتعاث تخوض فيها الإدارة الجديدة والتي هي بحاجة لأن تقوم بها لغربلة ما مضى من أعوام لضمان أن الابتعاث يسير وفق خطة مدروسة وليست عشوائية، وأن تخصصاته وفرصه ستنعكس إيجابياً على نهضتنا التنموية، وأن هناك مراجعةً حثيثة لضمان عدم تشبع سوق العمل بتخصصات غير مرغوب فيها. وهو أمر مشروع ومطلوب وماس، ولكنه قد يتصف بالارتجالية. ولعل ما تحتاج إليه الوزارة ونأمل أن تقوم به؛ هو أن تتنبه لهذه التفاصيل التي ينوء بها حمل الطالب والطالبة في بلاد الغربة والذين لا ينبغي أن يُحملوا وزر تأخر الوزارة في عملية تقييمها لأدائها، وأن تعيد النظر في آلية الترقية لتوجه الطلبة لما يحقق أفضل النتائج دون أن يتحملوا هم الخسائر من حياتهم وطموحاتهم وآمالهم، مع فتح باب الحوار معهم للاستماع والتفاعل والتغلب على مصاعب الغربة فلا محبط أكثر من مسؤول لا يجيب. لمراسلة الكاتب: [email protected]