شؤون خليجية لم تكن عاصفة الحزم ولن تكون- كما أتصور– مجرد تحالف حربي أو خوض لمعركة عسكرية، لإنجاز مهمة في اليمن، وكفى، فجوهرها ليس كذلك. فالأصل فيها، أن حددت ودفعت عنوانًا كان قد غاب في ممارسات النظم السياسية العربية والإسلامية، وأنها أحدثت تغييرًا في رؤية تحديد الحلفاء والأعداء، وأنها طورت القدرة على اتخاذ القرار وفي توحيد الهدف واتجاه الحركة بين دول موزعة على مساحة واسعة، وبينها وبين أطياف عديدة من المقاومات العاملة والفاعلة على الأرض منذ زمن، بما أعاد الاعتبار لدورها ولمفهومها واتجاه عدائها أو حركتها. والأهم أن كل ما يجري وسيجري ليس إلا عنوانًا لتصحيح المسار، وفرض صياغة محددة للنظام والتوازنات الإقليمية في مواجهة ما كان يجرى لإعادة تشكيلها لمصلحة دول إقليمية أخرى، برعاية أمريكية. ولو كانت عاصفة الحزم، مجرد حالة أو معركة حربية وحسب، ما احتاجت المملكة العربية السعودية- ودول الخليج المشاركة فيها- تشكيل مثل هذا التحالف الممتد من باكستان إلى تركيا، ومن الخليج إلى المحيط، فقوة الحوثيين وأتباع صالح لا تحتاج مواجهتهم لكل هذا الزخم العسكري. كان ممكنا أن يجرى الاكتفاء بأعمال تأديبيه وفق نمط الضربات الجوية المركزة، لتعديل التوازنات على الأرض في وقت أبكر مما جرى، ولكان ما طلب من الدول الأخرى، هو مجرد الدعم والمساندة السياسية والديبلوماسية من خلال الجامعة العربية أو على صعيد الهيئات الدولية. نحن أمام رؤية جديدة للمنطقة ولنظامها الإقليمي وقواها الفاعلة وتوازناتها، وأمام فرض تلك الرؤية بالقوة العسكرية وبكافة الوسائل الاستراتيجية– انطلاقًا من اليمن- في مواجهة محاولة محور اخر أراد إعادة تشكيل النظام الإقليمي ليصبح واقعًا تحت سيطرة إيران جهة الشرق والكيان الصهيوني من جهة الغرب، تحت إدارة أمريكية (وأوروبية على نحو ما)، مع فصل دول شمال إفريقيا العربية (من مصر إلى المغرب، اذ لا تعتبرها القوى الغربية ضمن الشرق الأوسط) وإلحاقها بنظام إقليمي اخر. ونحن أمام حركة لمواجهة نظام إقليمي مثلت اليمن نقطة التثبيت له- في منطقة الشرق الأوسط وفق الفهم السابق- عبر انقلاب عسكري، جاء مكملًا، لما جرى باستخدام القوة العسكرية (أيضًا) في سوريا والعراق ولبنان. فانقلاب الحوثيين وصالح لم يأت كعدوان على شرعية الرئيس هادي ومخرجات الحوار الوطني فقط، بل على التاريخ والهوية، وهو جاء كنقطة انقلاب في التوازنات الاقليمية والنظام الإقليمي. كان التغيير الانقلابي في اليمن نقطة التماس الفارقة بين رؤيتين ومشروعين أحدهما كان قطع شوطًا كبيرًا في إنجاز أهدافه بقوة السلاح، فجاء الرد بعاصفة الحزم لمواجهة هذا التحول في اليمن، باعتباره نقطة الوثوب الاستراتيجي لتتويج التغييرات التي سبق أن جرت في الإقليم. ولذا فأمر التحالف الحربي بين الدول العشر في منظومة التحالف ليس الأساس، بل هو عنوان أولي، لمشروع كبير سيستمر العمل من أجله عدة سنوات، لمواجهة ما كان حققه الحلف الآخر على الأرض فعليًا من تغيير في التوازنات وفي قواعد الحركة داخل الإقليم، وفي طبيعة النظام الإقليمي، بأنهاء الصفة العربية والنظام الرسمي العربي.. إلخ. ووفقًا لهذا الفهم يمكن النظر لمشاركات مختلف الدول في عاصفة الحزم، باعتبارها نمطًا من الحركة الاستراتيجية وإدارة التحولات الإقليمية، لا يقاس بالطريقة المبسطة التي ينظر بها البعض، حين يعتبرون المشاركة في العمل العسكري هي القضية المحورية والقصة والرواية الفاصلة في الأمر. فنحن لسنا أمام مجرد معركة عسكرية– وبعض المثقفين يفهم ما يجري على هذا النحو الجزئي والخاطئ- كما نحن لسنا إزاء تحرك إقليمي لتشكيل حلف عسكري. نحن لسنا بصدد معركة عسكرية، بل حركة تغيير استراتيجي ستجري في ساحات متعددة، ووفقًا لقدرات متنوعه تحددها عوامل تتعلق بقواعد إدارة الحكم، والسياسات الخارجية، والتوزع الجغرافي، وحالات التوازن مع قوى أخرى، وأمور أخرى كثيرة. كما قد تتعدد المعارك وتتنوع الأساليب، وفي ذلك تختلف المساهمات، إذ إعادة تغيير التوازنات وشق اتجاه استراتيجي (عربي - إسلامي) ليس شرطه العمل العسكري المباشر، فقد يكون وجود دول خارج الحركة المباشرة هو أهم من مشاركتها، فبقاؤها كدول راعيه لتوسيع مساحة المعارك وتصعيب النصر فيها هو أهم من وجود طائراتها أو جنودها. وأصلًا ليس من الحكمة التحدث عن حلف عسكري، وإلا لقام الغرب والشرق وكانت المواجهة اخطر وأصعب، كما ليس المقصود ولا المطلوب- من مثل تلك النقلة–الدخول في حرب شاملة ضد إيران. لقد تصور البعض، أننا أمام إعلان "تحالف أو حلف عسكري" يحارب هنا وينقل قواته للحرب هناك. وصار البعض يستعجل ويتساءل عن متى الانتقال إلى بقية الساحات لتطهيرها من الرجس الإيراني. كما تصوروا أن كل الدول العشر قد صارت في المواجهة العسكرية الشاملة، وباتوا لا هم لهم إلا متابعة من أرسل قواته ومن لم يرسل. غير أن الأمور ليست هكذا، إذ نحن لا نقف أمام تشكيل حلف عسكري أو خوض معركة عسكرية، بل بصدد حركة استراتيجية للوقوف في وجه محاولة جرت وتجري لفرض نظام إقليمي على حساب العرب والمسلمين– استغلالًا لحالة الضعف العربي- بالدفع باتجاه حركة أخرى لتشكيل نظام إقليمي يحقق تلك المصالح، وكانت البداية من اليمن.