الوطن - السعودية "من النقاط المقترحة لحماية المفلسين، أن تُعالج الديون التي تكون عليها فوائد تراكمية نظير التأخر في السداد (بشكل شرعي أو غيره)، وأتصور أنها أولى بالشطب من أصل الديون" بعد سلسلة من تشريع القوانين الخاصة بالإفلاس في بريطانيا وتحديثها بشكل متسارع؛ أصبحت إجراءات الإفلاس تأخذ اثني عشر شهرا بدلا من ثلاث سنوات في السابق، الأمر الذي يؤكد أهمية جودة صياغة الأنظمة وتأثيرها على الاقتصاد وسرعة نموّه وتنافسيته. نشرت وزارة التجارة مشكورة ما أسمته "تقرير السياسات العامة في شأن مشروع نظام الإفلاس"، وهي خطوة تهدف إلى الاستفادة من آراء المختصين والمهتمين بالموضوع، وكنت أتمنى نشر مسودة المشروع أيضا ليتسنى الاطلاع عليه بشكل أكثر دقة. صياغة مشروع لنظام الإفلاس مهم جدا، وقد سبق أن طالبت بضرورة صياغته قبل أربع سنوات تقريبا هنا في صحيفة الوطن. تظهر أهمية الموضوع إذا عرف القراء أن النظام الذي ينظم الإفلاس حاليا هو نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1350 أي قبل أكثر من 85 عاما، بالإضافة إلى نظام التسوية الواقية من الإفلاس الصادر عام 1416، وهو نظام مختصر جدا ويختص بتنظيم التسوية الواقية من الإفلاس فقط وليس كل جوانب الإفلاس، كما أنه ليس ظاهرا لدي مدى نسخ مشروع النظام الجديد لنظام التسوية من عدمه، وإن كان الظاهر أنه سينسخه لوجود تداخل كبير، وهو ما أتمناه. انتهجت الوزارة منهج المقارنة بين النماذج الدولية الرائدة في موضوع الإفلاس وعمق تجربتها فيه كي تكون استرشادية لأفضل الممارسات الدولية لأجل وضع النظام الجديد، مع التحفظ على النقاط المتعارضة مع الشريعة الإسلامية -إن وجدت-. من أهم ما في النظام أنه لا يقتصر على الشركات التجارية بل يشمل حتى الدين من الشخص الطبيعي، كما أنه يفرق بين التفليسة في الحالات الصغيرة وبينها والحالات الكبيرة. كما أن من أهم النقاط التي جاء بها النظام أمرين؛ الأول: النص على تشريع نظامي بعدم صلاحية شرط خيار فسخ العقود في حال الاضطراب المالي/أو التعرض للإفلاس من المستفيد من النظام. والثاني: النص على إمكانية إيقاف التنفيذ على الأصول (بما فيها التنفيذ على الرهون) وإدخالها من ضمن التفليسة. بالنسبة لنقطة إلغاء شرط خيار فسخ العقد؛ فهي جيدة من حيث المبدأ أن تكون خيارا لدى المحكمة، إلا أن مثل هذه النقطة يجب أن تصاغ بعناية لوجود أطراف جديدة ربما تتورط في عملية الإفلاس. وهناك تساؤل آخر هنا؛ ماذا إذا نص العقد على مرحلية التنفيذ وربط كل مرحلة بالدفع المسبق كما هو معتاد في الكثير من العقود؟ هل سيشملها بالرغم من التوافق والالتزام المسبق بين الطرفين؟ (وهذا لا يعتبر خيار فسخ للعقد، وإنما تقسيم للعقد بشكل مرحليّ)، كما أن المشغّل في حال إجباره على تنفيذ العقد قد يضطر حينها للقرض، وقد لا يكون لديه المقدرة في حال عدم الدفع المقدم، ولا أدري هل عالج النظام مثل هذه النقاط أم لا. أما بالنسبة لإيقاف التنفيذ على الرهون؛ فأتمنى أن تستعرض الوزارة النماذج الدولية جيدا في هذا الجانب لحساسيته، كونه قد يُخل بحقوق الدائنين ويُعطل بعض مصالحهم التي بنوا استثماراتهم ودراسة مخاطرها عليها، ولا أدري حقيقة عن مدى مناسبة إيقاف التنفيذ على الرهون، خاصة إذا لم يكن هناك التزام مسبق من المدين تجاه الدائنين الآخرين بعدم الارتهان دون موافقتهم. (لم يسعفني الوقت للاطلاع على النماذج الدولية في هذا الخصوص). تحدث النظام عن إفلاس الشخص الطبيعي، وأشار إلى حماية بعض ممتلكاته الشخصية، كما أشار إلى استرجاعه الأهلية بعد 12 شهرا، ولي هنا ملاحظتان، الأولى: أن النظام فيما يبدو حذا حذو نظام التنفيذ في استثناء السكن الخاص بالمدين، ولا أتصور أن هذا المنهج عادل، وما أعرفه من بعض النماذج الدولية كبريطانيا أنها تحتفظ فقط بالحد الأدنى لما يضمن الحياة الكريمة، كأن يكون لدى المدين ما يكفل له سكنا ومأكلا ومشربا لمدة سنة، ولا يعني هذا بالضرورة مسكنا مملوكا، الذي قد يكون بعدد من الملايين مثلا بينما الدائن قد يكون في بيت إيجار! كما أتصور أنه يجب معالجة مدعي الإفلاس "الشخص الطبيعي" ووضع آلية فعالة لمراقبة أعماله وأمواله المستقبلية وتسهيل رقابة الدائن له وحفظ حقه والتوازن في ذلك، ولا يخفى على الوزارة مشكلة ما يسمى بصك الإعسار الذي كثيرا ما يحمي المدين المقصر أو المتلاعب. ما هي الآلية التي سيتبعها النظام في تتبع أصول المدينين؟ وهل سيمكّن القضاء من الوصول إلى جميع الممتلكات المحتملة من عقار وأموال سائلة وحصص وغيرها كما هو الحاصل في نظام التنفيذ؟ وهل سيضع النظام عقوبات فعالة على إخفاء الأصول والأموال والتلاعب بها؟ أتمنى معالجة هذه الأمور بشكل فعال. من النقاط المقترحة لحماية المفلسين؛ أن تُعالج الديون التي تكون عليها فوائد تراكمية نظير التأخر في السداد (بشكل شرعي أو غيره)، وأتصور أنها أولى بالشطب من أصل الديون. ومن النقاط الجيدة في النظام؛ أنه أعطى حقوقا خاصة لتمويل المستفيد من النظام، مما يُسهّل حصوله على القروض التي قد تساعده في استعادة نشاطه الطبيعي، وهذا جيد ويساعد على استمرارية المستثمر وثباته، مما ينعكس على الاقتصاد الوطني أيضا. كما أن النظام يضع ثلاث مراحل للتدخل، مرحلة التوفيق (وهي مرحلة تكون فيها احتمالية استمرار المدين في نشاطه ممكنة وغالبا ما تكون ودية)، ومرحلة إعادة التنظيم (وهي أيضا تكون فيها احتمالية استمرار المدين ممكنة إلا أن حقوق الدائنين والمحكمة فيها أقوى)، ومرحلة التصفية (وهي في حال كون المدين غير قادر على الاستمرار في نشاطه). هذا عرض مختصر جدا لأهم ما جاء في النظام، بالإضافة لبعض الملاحظات التي رأيت مناسبة الإشارة لها، وأتمنى التوفيق والسداد للقائمين على المشروع بإذن الله. أسامة القحطاني