* مال الاقتصادية تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن من وصفته بالمحلل التافه فوردتني بعض الاعتراضات على استخدام وصف التفاهة في مقابل عدد كبير وخصوصا من المهنيين أيدني فيما ذكرته. معظم الاعتراضات تمحورت حول استخدام الوصف واعتباره شتيمة لآخرين وليس دفاعا عن ما يقوم به من وصفتهم. لذلك وجدت أنه من المفيد أن أكتب مرة أخرى في الموضوع. بداية، أنا لم أشتم أحدا ولم أتهجم على أي محلل. ما قمت به هو شرح ما يقوم به أشخاص معينين يدعون أنهم محللين ثم وصفت ذلك الفعل بالتفاهة. وقلت مثلا أن أي شخص يتوقع صعود السوق و يتحدى أن توقعه سيتحقق هو شخص تافه. الأسواق متقلبة وتتحكم بها عوامل كثيرة ومعقدة، ومن لديه الخبرة يعرف أن التأكد من حركة الأسواق هو في علم الغيب. لا اعتراض على التحليل ووضع التوقعات، فكل من يستثمر يقوم بذلك لأنه يتوقع شيئا معينا. الاعتراض هو فقط على أسلوب التحدي. بالنسبة لي من يقول أن السوق مرتفع لا محالة، فهو يلغي نهائيا عامل المخاطرة الذي يعتبر جزءا أساسيا في الأسواق المالية، وبالتالي من لا يتعامل باحتمالات المخاطرة في الأسواق المالية لا شك أنه لا خبرة لديه أو أنه دجال أو مشعوذ. أنا وصفت الفعل بالتفاهة والذي يعني في اللغة أن لا قيمة له. بكل تأكيد لا قيمة مهنية لشخص يتحدى أن يخطيء توقعه في الأسواق المالية. لو تابعنا الأشخاص الذين يقومون بوضع التوقعات بذلك الأسلوب، لوجدنا أنهم يستخدمون أساليب مختلفة في تحليلهم لإقناع المتابع أنهم يملكون الخبرة العميقة، وذلك عبر استخدام مصطلحات تقنية ورسوم بيانية وتعابير اقتصادية ليست سهلة الفهم للمتابع غير المختص. هم يقومون بذلك لأن هدفهم جذب المتابعين غير المختصين الذين من الممكن أن تنطلي عليهم تلك الأساليب الملتوية، فالشخص المختص ليس بحاجة لمتابعة كلام عشوائي غير مترابط. في المقابل، المحلل المهني يستخدم الأسلوب المبسط بلا تعقيدات لأن هدفه أن تصل معلومته لمعظم الناس ويستفيدوا منها، وليس لاستعراض معلوماته وخبراته. وهو، أي المحلل المهني، لا يحتاج أصلا لاستعراض ما يملكه لأنه بالتأكيد يملك خبرة وشهادات وسيرة ذاتية تعكس ما لديه. ما يتميز به أيضا ذلك النوع من المحللين الذين أحذر منهم، أنهم يكثرون من التذكير بتوقعاتهم التي أصابت. والتذكير يترافق دائما مع استعراض الأنا، "أنا قلت لكم"، "أنا الوحيد الذي قال كذا"، "أنا العبقري". في الأسواق المالية، يصيب المحلل ويخطيء ولا عيب في ذلك، لذلك من يتباهى بأن بعض توقعاته أصابت ولا يتحدث عن تلك التي أخطأت هو شخص تافه. من جديد حتى لا أُتهم بالشتم، تافه يعني لا قيمة له. اعتراضي الأساسي كان على استضافة بعض القنوات التلفزيونية لمحللين من النوع الذي لا قيمة له وذلك لأنه شائع عند المشاهدين أن من يظهر على الشاشة فهو لا بد يتمتع بمصداقية معينة فبالتالي يأخذ أولئك الأشخاص ما لا يستحقونه. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، ينتشر عارضوا التوصيات بشكل كبير وعشوائي، والكثير منهم لا يكتب حتى اسمه الصريح، وقد أطلقت عليهم سابقا اسم "بائعوا الوهم"، وهذا يزيد من مسؤولية القنوات التلفزيونية لأن لديها معايير ممكن أن تتبعها لتحديد من يظهر على الشاشات بعكس وسائل التواصل التي لا رقيب فيها. كلامي في هذا الموضوع هو من باب التوعية وزيادة الشفافية في الأسواق المالية. كل من يعمل في القطاع المالي عليه مسؤولية أن يحاول في مجاله أن يدفع باتجاه تطوير الأسواق وتثقيف المستثمرين أو المهتمين بالأسواق. في كل مكان يوجد نوعيات مختلفة ممن ينظّرون على الناس ويستغلون جهل البعض أو عدم تخصصه. القطاع المالي ليس استثناء وفيه الغث والسمين. كل شخص مهني وذو خبرة عليه أن يحاول الحد من تأثير غير المهنيين والتافهين قدر استطاعته. أخيرا، لو قلت أن من يسرق فهو لص، فأنا أصف فقط ولا أشتم. *رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي ahmad_khatib@