د. هيثم باحيدرة الاقتصادية - السعودية كما تستخدم المراكب الشراعية ضغط الرياح لتمخر المياه، فإن الطيران الشمسي يستخدم ضغط الضوء الذي تشعه الشمس للتحرك في الفضاء. وقد تحدد شهر أبريل 2016م ليكون موعد إطلاق لبعثة "لايت سيل" التي يمولها القطاع الخاص بقيمة 4.5 مليون دولار لاختبار تقنية الطيران الشمسي والسفر إلى الفضاء على متن صاروخ فالكون للأحمال الثقيلة (سبيس إكس). وبمجرد الاستقرار في المدار، سوف تقوم "لايت سيل 1" بعمل مناورات باستخدام أشعة الشمس، بدلا من وقود الصواريخ. ووفقا ل "دوغ ستيتسون" مدير المشروع لدى جمعية الدراسات الكوكبية غير الربحية التي تقوم بتنظيم وتمويل البعثة فقد "ظل الطيران الشمسي قيد التطوير البطيء طوال سنوات عديدة". والسبب الرئيسي وراء استغراقه كل هذه السنين هو إمكانية الاندفاع الحر في جميع أنحاء النظام الشمسي. و"لايت سيل 1" مركبة فضائية صغيرة مصنوعة من ثلاثة مربعات عرض كل واحد منها 10 سنتيمترات وتسمى "كيوب ستاتس". وبعد أن يتم حملها إلى المدار الأرضي المتوسط – على بعد أكثر من 2000 كم فوق كوكب الأرض وتكون مرتفعة بما يكفي للهروب من معظم سحب الغلاف الجوي - ستنشر "لايت سيل 1" أربعة أشرعة "مايلر" رقيقة جدا التي سوف تتمدد لتغطي 32 مترا مربعا (ويحتمل أن تكون كبيرة بما يكفي ليشاهدها المراقبون بالعين من على الأرض). وستسقط أشعة الشمس على هذه الأشرعة، وكل جسيم ضوء أو فوتون يقع عليها سيطلق مقدارا قليلا من الحركة. وبتكتلها معا ينبغي أن تكون هذه المقادير الصغيرة من الحركة كافية لتحريك المركبة الفضائية دون الحاجة إلى الوقود الكيميائي الثقيل والمكلف. وإذا زادت السرعة المدارية للمركبة "لايت سيل 1" بمجرد أن تنشر أشرعتها، سيتيقن المهندسون وقتها من أنها تعمل. ومن الناحية النظرية ينبغي أن يكون الطيران الشمسي قويا بما يكفي لتحرير مركبة فضائية من المدار الأرضي ودفعها إلى مجال النظام الشمسي. ويقول ستيتسون "عيبها أنها تستغرق وقتا طويلا (للتحرك) ، تماما كما نستغرق وقتا أطول للإبحار شراعيا إلى جزر البهاما مقارنة باستخدام قارب سريع". وجدير بالذكر أنه في الفضاء خارج الغلاف الجوي للأرض ومع عدم وجود احتكاك يعيق الحركة وبمجرد انطلاق الشراع الشمسي فإنه يستمر في التسارع طالما ظلت أشعة الشمس تسقط عليه. وهذا ما يجعل الأشرعة الشمسية خيارا جذابا لاستكشاف كل النظام الشمسي وما وراءه. ويرى عديد من الخبراء أنها مرشح محتمل لتسيير أول بعثة بين النجوم إلى نجم آخر، مع الدفع الإضافي بواسطة ليزر يمكن تثبيته في مدار حول الشمس وتوجيهه إلى الشراع إضافة إلى أشعة الشمس. ولكن إحدى السلبيات أن الأشرعة الشمسية لا تحتوي على مكابح أو أي وسيلة لتغيير المسار أو الإبطاء بعد تسارعها. وأحد الحلول الممكنة هو استخدام جاذبية كوكب أو نجم لإبطاء المركبة أو توجيهها نحو المسار المطلوب. وتقع هذه الاعتبارات خارج نطاق "لايت سيل 1" الذي يهدف ببساطة لإثبات سلامة التقنية الأساسية - خاصة للمركبات الفضائية خفيفة الوزن القادرة على المناورة والمنخفضة التكلفة مثل "كيوب ساتس"، التي على الرغم من صغر حجمها لا تزال قادرة على حمل ما يكفي من الأدوات اللازمة للعلوم الأساسية والملاحة والاتصالات. ومن ثم يمكن أن يكون هناك مجال جديد كليا من بعثات استكشاف النظام الشمسي التي يمكن أن تكون غير مكلفة تماما. وسوف يتم حمل "لايت سيل 1" على مركبة يمولها القطاع الخاص - صاروخ فالكون للأحمال الثقيلة الذي تقوم بتطويره شركة الرحلات الفضائية التجارية (سبيس إكس). وقد نجح صاروخ فالكون الصغير ذو الصواريخ التسعة الذي طورته الشركة في إثبات جدارته وإمكانية الاعتماد عليه، ولكن النسخة الثقيلة والقوية بما يكفي للسفر خارج مدار الأرض المنخفض أو LEO على ارتفاع160 إلى 2000 كيلومتر، لا تزال في انتظار أول تجربة طيران. وتحتاج الأشرعة الشمسية إلى مثل هذه الدفعة الأولى المهمة لأن سحب الغلاف الجوي عند مدار الأرض المنخفض أو LEO قوي جدا بالنسبة لها ويستطيع منعها من العمل. ولن تكون "لايت سيل 1" أول مهمة طيران شمسي، فقد حاولت جمعية الدراسات الكوكبية نفسها إطلاق شراع شمسي يسمى "كوزموس 1" في عام 2005م، ولكن فشل الصاروخ أحبط المهمة. وفي عام 2010 م أطلقت اليابان بنجاح مركبة فضائية تعمل بالإشعاع الشمسي (إيكاروس)، رافق المركبة الفضائية المتجهة إلى كوكب الزهرة واستخدم فيها الشراع الشمسي كوسيلة دفع رئيسية. وفي وقت لاحق من ذلك العام نفسه أطلقت وكالة ناسا بعثة "نانو سيل- دي"، التي نشرت شراعا صغيرا في المدار الأرضي المنخفض. وعلى الرغم من ارتفاعها المنخفض، نشرت البعثة الشراع بنجاح، على الرغم من أنها لم تستخدمه للطيران. وتخطط ناسا أيضا لبعثة طيران شمسي أكبر تسمى "صن جامر"، التي كان من المقرر أصلا إطلاقها في عام 2015م. إلا أنه بعد دراسة حديثة للتقنية، أرجأت الوكالة البعثة إلى أجل غير مسمى. ومع ذلك فإن "لايت سيل 1" لها أهميتها الكبيرة لأنه في حال نجاحها فسوف تكون أول إثبات للطيران الشمسي الخاضع للرقابة بواسطة مركبات "كيوب ساتس". وتخطط وكالة ناسا لبعثتي طيران شمسي أخريين، كلتاهما بواسطة "كيوب ساتس". الأولى "وميض القمر" التي ستبحث عن ترسبات الجليد في الحفر الموجودة على سطح القمر، والثانية "استكشاف الكويكبات القريبة من الأرض" التي ستزور الكويكبات القريبة للوقوف على مدى صلاحيتها لتكون وجهة جيدة لبعثة بشرية لاحقة. ومن المقرر للبعثتين الانطلاق في الإقلاع الأول القادم للصواريخ ذات الأحمال الثقيلة التابعة لوكالة ناسا في عام 2017م. وإذا ما أطلقت هاتان البعثتان فستكونان من بين أولى بعثات الشراع الشمسي التي تتخذ من العلم غرضا أساسيا، وليس مجرد الإثبات التقني. وإذا كتب لبعثة "لايت سيل 1" النجاح، فقد تساعد على تمهيد الطريق لبعثات مماثلة. وما تقوم به بعثات "لايت سيل 1" هو تحجيم المهمة الأمر الذي يجعلها أقل تكلفة.