التقرير الكندية لله در الشيخ تويتر، فقد أصبح نورًا مسلطًا على الأحداث، فتصلني معظم أجزاء القصة لأي حدث ما في الرياض، وأنا هنا في آخر الدنيا. الحدث الذي أعنيه هو معرض الكتاب. وسأجتهد سريعًا في عرض الفكرة الرئيسة لوجهتي النظر الرئيستين، ومن ثم سأقول رأيي فيهما، لكون هذا المقال هو مقال رأي، ولي الحق في اتخاذ موقف والتعبير عنه. في البداية، كانت هنالك ندوة فكرية، بإدارة الدكتور معجب الزهراني، قامت مجموعة صغيرة برفع الصوت احتجاجًا عليها. ثم اضطر الزهراني لإلغاء الندوة، فقامت هذه المجموعة الصغيرة بالصلاة مكان الندوة، على المسرح. وفي هذا رمزية كبيرة للحدث، أتت بغير ما أراد من قاموا بالتشويش على المناسبة الفكرية، ومن هنا جاءتني فكرة عنوان المقال. كانت هنالك ردة فعل واسعة على منصات الإعلام الجديد، دون تحكم من الجهات المتنفذة، لا الدولة ولا أصحاب النفوذ ولا أصحاب المال؛ إذ بإمكان أي شخص المشاركة على هاشتاق #غزوة_ذات_التعايش (للتهكم على ما يسمى ب "الاستدعاش الداخلي". كما قام الطرف المقابل باستحداث هاشتاق #زيارة_المشايخ_لصد_الإلحاد_بمعرض_الكتاب (والذي قصد منشئوه أن هنالك إلحادًا، وهذا بالنسبة لهم حقيقة علمية لاتقبل النقاش، بعكس حقيقة دوران الأرض التي يستطيعون مناقشتها). رمزية الصلاة على المسرح: يريدون أن يثبتوا أنهم هنا من أجل الصلاة، في مقابل الإلحاد. وعليك أيها القارئ أن تحدد موقفك، إما أن تكون مع الصلاة أو مع الإلحاد. وهذه هي المعركة الكبرى بالنسبة لهم، بل هي أم المعارك! فكأنما إجابتهم على الإلحاد هي تأكيد الصلاة في عقر دار الإلحاد: الكتاب. فمن وجهة نظرهم أنه لا يستطيع أحد أن يقول لهم، لا يحق لكم الصلاة هنا. لأنهم وببساطة يستطيعون حذف "هنا"، ليقولوا للناس إنك تقول لهم "لا تستطيعون الصلاة". وهذه ممارسة قديمة لهم، مثل مقولة أحد شخصيات رواية تركي الحمد عن الإلحاد التي اقتطعوها ثم رموها على لسان الحمد. فتقول شخصية هشام في الرواية: "هل الله والشيطان وجهان لعملة واحدة؟". فقاموا بحذف "هل"، ثم حذفوا هشام وقالوا إن تركي الحمد هو من قالها. أو مثل غيرها من أيام مواجهاتهم مع الحداثيين (الذين قالوا لنا بأنهم سيدمرون الإسلام في معقله، مثلها مثل الجوال أبو كمرة، وكان الغذامي عندهم "حاخام الحداثة"، لكنه وبقدرة قادر لم يتم تدمير الإسلام، وأصبح الغذامي "شيخًا"، وقاموا جميعهم باقتناء الجوالات أبو كمرة). وكانوا آن ذاك يقاطعون محاضرة في النادي الأدبي مثلًا، ليقولوا للمتحدث: "قل لا إله إلا الله". فإذا رد عليهم: "ياجماعة، دعوني أُكمل حديثي". ردوا عليه: "أتترفع عن نطق الشهادة؟!". هدفهم ليس الشهادة، كما أن هدفهم هنا ليس الصلاة، بل إلغاء الحدث. لكن جاءت النتائج عكس ما أرادوا. فمعظم من قرأت لهم، كانوا يسألون: لما لم يذهبوا للمسجد الموجود في معرض الكتاب؟ لماذا هجروا المسجد وجاؤوا للصلاة على أنقاض الكتب؟ فكأنما هجروا الإسلام الصحيح، ممثلًا في المسجد، واتبعوا أهواءهم، ممثلة في طرد الكتاب بكل ما يرمز له، من على منصة الأمة، المسرح، والصلاة محله. فلا مكان عندهم إلا للصلاة أو الكتاب، ظنًا منهم بأن أحدهما يلغي الآخر. أما مسجد معرض الكتاب الذي يتواجد جنبًا إلى جنب مع الكتاب، فهم يرفضونه، ويهجرونه، وينادون في الناس بهجرانه. وهذه هي الرمزية الحقيقية لقيامهم بالصلاة على المسرح: "اهجروا المساجد!". ومن المصادفات العجيبة أن الندوة التي شوشوا عليها تسمى "الكتاب تعايش". فكان ردهم عمليًا: "لا تعايش مع الكتاب، ولا مع دوران الأرض". طبعًا لا أحد يعرف أسماء هؤلاء "المشايخ"، فلم يحصل أن صادف أحدٌ أسماءهم على دفات الكتب، لأنهم لم يقوموا بالتأليف أو لأن الكتاب هو مصدر إلحاد بالنسبة لهم، كما يقول معارضوهم، على سبيل التهكم. لكن أصواتهم عالية. وأي شخص يتواجد في قاعة تعج بمئات الحضور، يستطيع أن يختطف انتباهها إذا صرخ، مع أنه فردٌ نكرة، محاط بمئات الأشخاص. فالمجتمع هو هؤلاء المئات المتواجدة في القاعة، وهذا الشخص غير المعروف، هو المعترض على الكتاب. لكن صراخه يجعله محل جذب للانتباه. المعركة والحرب: هنالك فرق بين المعركة، بوصفها جولة من ضمن جولات وحسمها لا يعني بالضرورة الفوز أو الخسارة، والحرب، بوصفها حالة للصراع، حسمها يعني حسم الصراع. يثير هؤلاء النفر الانتباه بشكل مستمر، وهذه هي استراتيجية إعلامية: "نحن هنا". فإثارة الانتباه، سواء عبر غزوة ذات التعايش أو غزوة ذات المراجيح أو غيرها، هي مجرد معارك. أم الحرب بالنسبة لهم هي في فرض الإسلام السياسي. وأعني بالإسلام السياسي، كل نشاط سياسي منظم يكون رأس المال السياسي فيه هو الدين. بمعنى، أن من يتخذ من الدين أداة للاستقطاب والحراك السياسي "political mobilisation"، يعتبر عندي إسلامويًا. والاتهام الرئيس الذي يوجهه معارضو الإسلام السياسي هو أنهم يسعون للسلطة، عبر اتخاذ الدين مطية لذلك. وهذه مقولة حق أُريد بها باطل. فالكل يسعى للسلطة، إسلامويون وليبراليون وعسكر وغيرهم. السلطة هي هدف المشتغل بالسياسة. وقد قال أحدهم متهكمًا على هذه المقولة بحق الإسلاميين: "يقولون الإسلاميين يسعون للسلطة. وهذه تهمة. لكن، هل الليبراليون والعسكر يسعون بين الصفا والمروة مثلًا؟!". فالكل يسعى للسلطة. مشكلتي معهم ليست في سعيهم للسلطة. فالكفء يستحق التقدم، أيًا كان. بل مشكلتي معهم مختلفة، وتتمثل في نقاط أربع: أولا- هي في تحويل المنافسة السياسية على السلطة بين فرد غير إسلاموي وفرد إسلاموي إلى منافسة بين الله والشيطان. بمعنى، اختلافك معهم في الرأي، يصبح حربًا على الله ورسوله. وهذه كارثة. لا يستطيع أحد مناقشتهم في دوران الأرض ولا في تعليم البنات ولا في الثوب أبو كبك ولا الجوال أبو كمرة، لأن مجرد النقاش فيها يتم تصويره على أنه حرب على الله. وتاريخنا خير شاهد. ثانيًا- أن خطابهم الرئيس هو: "الإسلام هو الحل". ولم يكن الإسلام يومًا ما حلًا للمشاكل، والدليل اقتتال الصحابة وهم أقرب الناس لمعرفة الإسلام، وهم أقرب الناس لمعرفة ما إذا كان حلًا أم لا. بل الإسلام مجموعة مبادئ يسترشد بها في عملية البحث عن الحلول. الحل هو الإعداد "البحث عن الحلول"، وليس الإسلام. راجع مقالي السابق: (هل "الإسلام هو الحل؟"). ولذلك؛ الإعداد يمكن مساءلته ومراجعته، والاعتراف بالتقصير فيه وفي خلل خططه، ثم تغيير اتجاهه، وإقالة كل من قام عليه، والمجيء بفريق غيره. لكن لا يمكن مراجعة الإسلام وتعديله وإجراء التجارب بحقه. والقائلون "الإسلام هو الحل" جاثمون على صدورنا باسم الله حتى قيام الساعة. فهم يقولون لنا بأن إخفاقهم هو ابتلاء من الله بسبب ذنوبنا، وليس بسبب فشلهم، ويجب علينا الصبر عليهم وعلى إخفاقهم حتى يُنفخ في الصور. ثالثًا- عجزهم عن تعريف المشكلة، والذي هو نصف الحل، ومن ثم الاعتراف بأنهم في مستوانا في عملية البحث عن حل لها، وليس أعلى منا. بمعنى، يجب أن يعترفوا بقدرة الجميع، من حيث المبدأ، على التوصل إلى مشاريع حلول. هم لا يعترفون بذلك. والدليل هو مقولتهم: "فسد الناس". فابتعاد الناس عنهم، هو بالضرورة، من وجهة نظرهم، مصدر فساد. لكن ابتعاد الناس عن غيرهم لا يعني بالضرورة فساد الناس. وهنا فرق عظيم، لمن ألقى السمع وهو شهيد. في المحصلة، لا يوجد مساواة بيننا وبينهم، فهم "أهل الصلاح"، وهذا يعني ضمنًا، احتكارهم للصلاح، واستحالة كونهم أهل فساد. رابعًا- أنه لا مجال لمحاسبتهم. وكلنا نعلم الأدبيات التي تقول بعدم جواز محاسبة رجل الهيئة إذا أخطأ، أو القاضي الذي أحال عملية نهب الأراضي إلى جني، أو غيرها. ومن حيث المبدأ، هو لم يخطئ، لأنه مجتهد، إما أجر وإما أجرين. فمصالح الناس ومعاشهم يعبثون بها كما يشاؤون، دون رقابة. وهذه كارثة. في الخاتمة، الحرب الحقيقية هي هنا: تسليمنا لهم، بأن الإسلام هو الحل (أي بهذه الكوارث الأربع). لكنني سأظل أردد: الإعداد هو الحل!