مكة أون لاين - السعودية رحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، بعد أن شرع في مأسسة العرش، رحل رحمه الله، فيما كان ملف انتقال السلطة للجيل الثالث من الأسرة الحاكمة (جيل أحفاد الملك عبدالعزيز) لا زال قائما. وهو الملف الذي كان قد أخذ حيزا كبيرا من تحليلات كبار المختصين بشؤون الشرق الأوسط والخليج والمثقفين وعامة المواطنين في المملكة. بحق كان السؤال الذي أشغل كثيرين سواء من المتوجسين على مستقبل البلد أو المتربصين هو: لأي الأحفاد سيؤول الملك بعد جيل الأبناء؟! ربما كثيرون مثلي قد آمنوا بأن تمكين الجيل الثالث تحت رعاية الجيل الثاني، هي أنجع طريقة لضمان سلامة انتقال السلطة في البلد. وبالفعل؛ وفي ظرف ساعات بعد تولي الملك سلمان دفة الحكم قضى على سنين من التكهنات بتعيين الأمير محمد بن نايف كوريث ثان للعرش بعد الأمير مقرن. أنا وكثيرون غيري كانت هذه الخطوة مريحة لنا، فعلى الأقل سنعرف مستقبل بلدنا ونعرف مع من نتعامل، ولن يشغلنا موضوع التوريث عن الدعوة للشروع في مأسسة الدولة وتفعيل المشاركة الشعبية والسير نحو تطوير النظام السياسي للبلد. ولن يمنعنا تباين الرؤى حول بعض السياسات الداخلية أو الخارجية بالإشادة بخطوة الملك سلمان المفصلية. الداعية لاستقرار مؤسسة العرش. صحيح أن موضوع انتقال العرش في كل ملكيات العالم سواء دستورية أو مطلقة هو شأن خاص بالأسرة المالكة، وهي عملية مسلم بها إلا أن حضور هذا الموضوع في الشأن العام لدينا وأخذه حيزا كبيرا هو بسبب طبيعة النظام السياسي التقليدية. وهذا ما يجعلنا نؤكد مرارا على أن تطوير النظام السياسي والشروع في بناء دولة المؤسسات من شأنه أيضا ترسيخ مؤسسة العرش ووضعها في مستوى بعيد عن الجدل والتكهن وربط ذلك بمصير واستقرار البلد. فكما قلت ترتيب خلافة العرش هو شأن خاص بالأسرة، ولا ينبغي أن يأخذ حيزا من الجدل أكثر من المعتاد. فالذي ينبغي أن يشغل بالنا جميعا هو مأسسة الدولة والشروع في ذلك، وترسيخ قيم المواطنة والحقوق والحريات العامة، بما فيها حرية التعبير. ولا أعتقد أن الحديث عن شخصية الوريث وصفاته ومن نحبذ ولا نحبذ وسيلة مثلى للحراك المدني. فكوننا نفكر بانتظار وريث طيب «يمنحنا» ديمقراطية، أو نتوجس من وريث قوي، فهذه طريقة غير سوية في التعاطي مع الشأن السياسي لا تختلف كثيرا عما كان يحصل في العصور العربية القديمة، وهي في جوهرها الآن هروب حقيقي من نقد الذات وتشخيص الضعف المدني، الذي يعود بطبيعة الحال لضعف التشريعات القانونية، وتأخر إقرار قانون العمل المدني، ولسبب آخر لا يقل أهمية وهو ضعف الوعي السياسي وهيمنة حالة من النرجسية وإدمان الصراع والغرق الإيديولوجي والتحزب والشللية لدى شريحة عريضة من المثقفين بمن فيهم المثقفون المؤيدون للمأسسة.