عند الحديث عن مسألة الخلافة في المملكة العربية السعودية، ينبغي أخذ ثلاثة عناصر رئيسة في الحسبان؛ أولاً: نظام هيئة البيعة؛ وهي هيئة مكونة من أبناء الملك عبد العزيز أو من ينوب عنهم، ومهمتها انتخاب الملك وولي العهد. ثانيًا: الخصائص التي تتعلق بشخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز وتأثيره على مسألة الخلافة وتوازنات السلطة. ثالثًا: التحديات التي ستواجه الملك القادم. ستجادل الورقة بناء على تلك العناصر الثلاث، بأن المملكة العربية السعودية لديها فرصة قوية لكي تمر بمرحلة انتقال سلسة للسلطة، بالرغم من صعوبة المرحلة وتعقيدات التوازنات الداخلية. هيئة البيعة حسب الأمر الملكي رقم أ/135، والصادر بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2006، ينحصر اختصاص هيئة البيعة في اختيار الملك وولي عهده، والنظر في قدرتهما الصحية على ممارسة مهامهما. وبناء على البند الثالث من الأمر الملكي ذاته، فإنه "تسري أحكام نظام هيئة البيعة على الحالات المستقبلية ولا تسري أحكامه على الملك وولي العهد الحاليين"، بمعنى أنها لا تنطبق على الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ولا على ولي عهده أثناء صدور هذا الأمر الملكي، والذي كان في حينه الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز. وكنتيجة لذلك، فإن كل التعيينات التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز، فيما يتعلق بمنصب ولي العهد، لا تخضع لنظام هيئة البيعة. عندما توفي الأمير سلطان، قام الملك عبد الله بتعيين أخيه الأمير نايف بن عبد العزيز وليًّا للعهد، وأصدر الأمر الملكي رقم أ/224 بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2011 القاضي بالتعيين. وقد استند أمر الملك عبد الله في حينه إلى البند الثالث من الأمر الملكي رقم أ/135، والذي نصَّ على عدم سريان نظام هيئة البيعة عليه. وبتحليل نص الأمر الملكي رقم أ/224، يتبين أن هيئة البيعة لم تقم بانتخاب الأمير نايف لولاية العهد، وإنما تم "إشعارها" باختيار الملك عبدالله له لهذا المنصب. وعندما توفي الأمير نايف بن عبد العزيز، قام الملك عبد الله بتعيين الأمير سلمان وليًّا للعهد، وأصدر أمرًا ملكيًّا بذلك، حمل الرقم أ/139 بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2012، وقد استند هذا الأمر الملكي للبند الثالث من الأمر الملكي رقم أ/135 أيضًا، وعليه فإن هيئة البيعة لم تختر الأمير سلمان بن عبد العزيز لمنصب ولاية العهد، ولم يكن في هذين التعيينين أية مخالفة لنظام هيئة البيعة. وقد قام الملك عبد الله بن عبد العزيز باستحداث منصب ولي ولي العهد، حسب الأمر الملكي رقم أ/86، بتاريخ 27 مارس/آذار 2014، ولا يوجد سابقة لهذا المنصب. وعليه، فإنه لا يوجد مادة لا في النظام الأساسي للحكم ولا في نظام هيئة البيعة تُعنى بتحديد مسؤوليات ودور من يشغل منصب ولي ولي العهد، أو آلية اختياره والجهة المخولة باختياره. وعليه فإنه لا يوجد أي سند قانوني ليتم تحديد دور هذا المنصب، سوى الأمر الملكي رقم أ/86، الذي تم استحداث المنصب بموجبه. وعلى الرغم من استثناء الملك عبد الله من نظام هيئة البيعة فيما يتعلق بتعيين الملك أو ولي العهد والنظر في قدرتهما الصحية، إلا أنه من الواضح أن الملك عبد الله قد اعتبر منصب ولي ولي العهد من "الحالات المستقبلية" التي يسري عليها نظام هيئة البيعة (على الرغم من خلوِّ هذا النظام من أية إشارة لمنصب ولي ولي العهد). وعليه، فقد قام الملك عبد الله بعرض اختياره للأمير مقرن، عند تعيينه وليًّا لولي العهد، على هيئة البيعة. وقد تبنى مجلس هيئة البيعة اختيار الأمير مقرن وصوَّت بالأغلبية بالموافقة عليه في المحضر رقم 1/ه، وتاريخ 27 مارس/آذار 2014، بالرغم من أنه ليس من اختصاص هيئة البيعة التصويت على أي قرار خارج مسألة اختيار الملك وولي العهد، أو النظر في قدرتهما على ممارسة المهام المنوطة بهما. وحتى لو أن ولي ولي العهد يُعد ولي عهد مستقبلي، فإن ولاية العهد المستقبلية ليست من ضمن اختصاص هيئة البيعة. إلا أن هذا التصويت يعد سابقة، يمكن الاستناد إليها فيما يتعلق باختصاص هيئة البيعة. وقد حدد الأمر الملكي مسؤوليات ولي ولي العهد، والتي تمثلت في أن يشغل منصب ولي العهد، في حالة خلو منصب ولي العهد، وفي أن يصبح ملكًا في حالة خلو منصبي ولي العهد والملك في آن واحد. ولا يكون لولي ولي العهد أي دور خارج هاتين الحالتين. كما تضمَّن الأمر الملكي الإشارة إلى أنه يحق للملك مستقبلاً تعيين ولي لولي العهد؛ مما يعني أن هذا المنصب اختياري وأنه بمقدور الملوك مستقبلاً الاستغناء عنه. لكن صدور الأمر الملكي رقم أ/86 شكَّل سابقة قانونية يمكن الاستشهاد بها والاستناد عليها في الحالات المستقبلية. وهذا بالفعل ما تم حين اعتلى الملك سلمان بن عبد العزيز العرش؛ فقد نادى الملك سلمان بمبايعة ولي ولي العهد السابق، الأمير مقرن بن عبد العزيز، وليًّا للعهد. وبالنظر في ديباجة هذا النداء يتبين أن الملك سلمان بن عبد العزيز استند قانونيًّا إلى البند الثاني من الأمر الملكي رقم أ/86 والذي يقضي بتولي ولي ولي العهد، الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ولاية العهد في حال خلوها ممن يشغلها. وبما أن من كان يشغل منصب ولاية العهد، الأمير سلمان، قد أصبح ملكًا للبلاد، فإن ولاية العهد أصبحت خالية، وبذلك يحق للأمير مقرن أن يصبح وليًّا للعهد. وقد صوَّتت هيئة البيعة على هذا سابقًا عند صدور الأمر الملكي رقم أ/86. وبذلك، يمكن اعتبار تعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليًّا للعهد، على أنه أول تعيين تقوم به هيئة البيعة، وأول تطبيق فعلي لنظامها، بما أنها صوَّتت على توليه منصب ولي ولي العهد، وعلى البند الثاني القاضي بتوليه ولاية العهد في حال خلو منصب ولاية العهد. من ناحيةٍ أخرى؛ فقد قام الملك سلمان بن عبد العزيز بتعيين الأمير محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد وأصدر الأمر الملكي رقم أ/52 بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2015، القاضي بهذا التعيين. ولهذا دلالات عميقة: أولاً: عملية انتقال الحكم للجيل الثاني من الأسرة الملكية قد تمت رسميًّا. ثانيًا: استند الملك سلمان في الأمر الملكي رقم أ/52 إلى البند الثالث من الأمر الملكي رقم أ/135؛ الذي قضى بتشكيل هيئة البيعة وإصدار نظامها، والذي نصَّ على استثناء الملك عبد الله من نظام هيئة البيعة. وفي هذا تأكيد على قانونية استحداث الملك عبد الله لمنصب ولي ولي العهد؛ إذ لم يكن يوجد أي قانون يمنع الملك عبد الله من استحداث هذا المنصب (على اعتبار عدم سريان نظام هيئة البيعة عليه). وبكلمات أخرى، لو أن نظام هيئة البيعة كان ساريًا على الملك عبد الله، لما حقَّ له إنشاء منصب ولي ولي العهد، ولكان ملزَمًا بترك مسألة ولاية العهد لآلية هيئة البيعة ونظامها. كما استند الأمر الملكي نفسه، والذي أصدره الملك سلمان، إلى البند الرابع من الأمر الملكي رقم أ/86، الذي أنشأ الملك عبد الله بموجبه منصب ولي ولي العهد، والذي صوَّتت هيئة البيعة على اختيار الأمير مقرن ليشغله، وقد نصَّ هذا البند على أنه "للملك -مستقبلاً- في حال رغبته اختيار ولي لولي العهد أن يعرض من يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة، ويَصدرُ أمرٌ ملكي باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة". وهذا ما تم بالفعل؛ فقد اختار الملك سلمان بن عبد العزيز الأمير محمد بن نايف لمنصب ولي ولي العهد، ثم قام بعرض هذا الاختيار على هيئة البيعة، التي قامت بالتصويت بالأغلبية لصالحه، ثم صدر بعد ذلك الأمر الملكي رقم أ/52 الذي يقضي بتعيين الأمير محمد بن نايف في هذا المنصب. ويعتبر هذا التعيين ثاني القرارات التي تتخذها هيئة البيعة فيما يتعلق بمسألة العرش وانتقال السلطة (الأول مع الأمير مقرن والثاني مع الأمير محمد بن نايف). وقد عيَّنه الملك سلمان نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء أيضًا. ينبغي التفريق هنا بين منصب ولي ولي العهد الذي تم استحداثه عام 2014، في عهد الملك عبد الله، ومنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الذي تم انشاؤه عام 1964، في عهد الملك فيصل؛ حيث يتمتع النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء بصلاحيات واسعة في إدارة الدولة في حال غياب الملك وولي عهده، بينما لا يتمع ولي ولي العهد بالدور نفسه. وتاريخيًّا، كان من يشغر منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، يتم اعتباره الثاني بعد ولي العهد من حيث ترتيب الخلافة على العرش. لكن هذا الترتيب أصبح غير قائم بعد تشكيل هيئة البيعة التي لها وحدها الحق في انتخاب الملك وولي العهد، والآن أُضيف لها اختصاص اختيار ولي ولي العهد، لا من حيث نص نظامها ولكن من حيث سابقة قانونية قامت بها مرتين. خصائص شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز تمتع الملك عبد الله بن عبد العزيز بنفوذ واسع وشعبية عارمة سعوديًّا، وعربيًّا، وإسلاميًّا، وعالميًّا. واستطاع أن يعبر بالمملكة فترات حالكة اقتصاديًّا، لاسيما في تسعينات القرن الماضي عندما كان وليًا للعهد في حينه؛ وسياسيًّا، بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001 وأعمال العنف التي لحقتها داخليًّا، وبعد انطلاق شرارة ما يُعرف بثورات الربيع العربي. وكان يتمتع باحترام عالمي واسع. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتخذ الملك عبد الله إجراءات جوهرية أثَّرت على بنية السلطة؛ مما زاد من نفوذه السياسي داخليًّا وخارجيًّا. وقد أسهم هذه العوامل مجتمِعة في رفع فرص استقرار بيت الحكم السعودي. فقد بدأت الدولة السعودية الرابعة بتغيير بنيتها السلطوية على يد الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2006، عندما أصدر نظام هيئة البيعة (الدولة السعودية الأولى 1744-1818، الثانية 1824-1891، الثالثة 1902-2006). وشكَّلت هذه الخطوة نهاية توازن سياسي سابق، وبداية توازن آخر. فبعد نهاية الصراع على العرش بين الملك سعود والملك فيصل عام 1964 بتولي الملك فيصل مقاليد الحكم، نشأ ما يمكن تسميته ب "التوازن المتعدد"، والذي كانت فيه مراكز القوة داخل الأسرة الحاكمة تُوازِن بعضها البعض، مع وجود الملك فيصل كقوة مرجحة. ثم بعد مقتل الملك فيصل عام 1975، تمت إعادة ترتيب هذا الوضع إلى توازن "الهيمنة المتعددة"، ويعني ذلك موازنة مراكز القوة في الأسرة الحاكمة لبعضها البعض، ولكن بدون تواجد قوة مرجحة لها (1). حاليًا، يوجد ما يمكن أن نطلق عليه توازن "هرم السلطة". ويأتي في قمة الهرم القوى الأمنية، ووزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني (التي تمتلك القوة الصلبة، متمثلة في القوة العسكرية والموارد المالية الضخمة). ثم يأتي في وسط الهرم هيئة البيعة، والتي تمتلك حق انتخاب الملك وولي عهده. ثم تأتي بعد ذلك عملية انتقال الحكم. وتشكِّل القوى الأمنية البيئة الحاضنة لهيئة البيعة، مما يعطيها نفوذًا بارزًا على عملية انتقال الحكم. كل هذا يمثل تغيرًا في بنية السلطة. وبما أن الملك عبد الله هو من هندس هذا الترتيب السلطوي، فإنه تمتع بنفوذ واسع فيه وعليه؛ مما جعله القوة المرجحة، كما كان الملك فيصل ذات مرة. كل هذه العوامل مكَّنه من التوطئة لاستقرار بيت الحكم السعودي. التحديات التي ستواجه القيادة الجديدة لكل أسرة ملكية قوانين مكتوبة (مثل نظام هيئة البيعة) كما أن هنالك قوانين غير مكتوبة (تقاليد ملكية). تاريخيًّا، تستمد الأسرة المالكة السعودية تقاليدها من تجربتين: الأولى تتمثل في نظام معقد من القيم والتحالفات الذي نشأ كنتيجة مباشرة لفترة حروب توحيد السعودية (1902-1932)، والثانية تتمثل في تجربة الصراع على العرش بين الملكين سعود وفيصل. تشكِّل هاتان التجربتان المصدر الأساسي للتقاليد الملكية السعودية. لكن ظهور جيل أحفاد الملك عبد العزيز في مسرح السلطة، يقدم أفرادًا لا يرتبطون بهاتين التجربتين. وهذا يعني أننا بصدد زوال تقاليد ملكية (وإن كان بشكل تدريجي) وبداية تقاليد جديدة. وهذا يمثل تغيرًا في طبيعة السلطة، وسيشكِّل هذا واحدًا من أبرز التحديات التي سيتحتم على الملك الجديد وولي عهده التعامل معها. وتشكِّل السياسة الخارجية تحديًا آخر؛ فإدارة العلاقات مع الولاياتالمتحدة الأميركية في ظل استراتيجيتها الجديدة، أو ما يُسمَّى ب"التحول إلى آسيا"، سيكون أمرًا بالغ الصعوبة. وسيكون على القيادة الجديدة التعامل مع نفوذ إيران المتصاعد، ويشكِّل نفوذ إيران المتصاعد تحديًا لسببين: أولاً: لأنه يعمل على منافسة نفوذ السعودية وتهديد مصالحها. وثانيًا: يشكِّل النفوذ الإيراني تحديًا لاعتماده على اللاعب-غير الدولة (non-state actor)؛ مما يعني إضعاف الحكومات المركزية، ولأنه يستخدم خطابًا أيديولوجيًّا كرافعة للتحالف مع هذا اللاعب-غير الدولة؛ مما يعني سيادة جوٍّ عام من الصراع وعدم الاستقرار. كل ذلك يجعل من تنامي النفوذ الإيراني تحديًا للقيادة السعودية الجديدة. خاتمة مثَّلت عملية انتقال السلطة وفقًا لنظام هيئة البيعة، والذي يدخل حيز التنفيذ مع الملك الجديد وولي عهده، نهاية للتكهنات فيما يتعلق ببيت الحكم السعودي. ومثَّل تعيين الأمير محمد بن نايف وليًّا لولي العهد، البداية الرسمية لتوريث جيل أحفاد الملك المؤسس، عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود. وهذا يمثِّل استقرارًا للسلطة ووضوحًا لخارطتها؛ مما يعني تجيير كامل الطاقات والموارد للتعامل مع الملفات الملحة، مثل: الإصلاح السياسي والاقتصادي داخليًّا، والمناطق المتوترة إقليميًّا وعالميًّا. فالجيش السعودي هو رقم 5 على مستوى المنطقة، و25 عالميًا، كما تحتل القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي المرتبة 3 في المنطقة، و24 عالميًّا، والسعودية عضو في مجموعة العشرين، وارتفع الناتج القومي الإجمالي للرياض إلى 745 مليار دولار. وتعتبر السعودية بمثابة القوة العربية الفاعلة حاليًا، وتتمتع بنفوذ واسع في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة، ولها تحالفات مع القوى الكبرى. كل هذه القدرات أصبح من الممكن استغلالها بشكل كامل بعدما تم ترتيب بيت الحكم السعودي. ملخص مرَّ سؤال الخلافة في المملكة العربية السعودية بتحديات جسيمة منذ اعتلال صحة الملك فهد بن عبد العزيز عام 1995، وما أعقبه من استلام ولي العهد آنذاك، عبد الله بن عبد العزيز، لمسؤوليات الحاكم الفعلي للدولة. ثم عاشت المملكة العربية السعودية لحظات اقتصادية وسياسية عصيبة طالت مراكز السلطة والتحالفات داخليًّا وخارجيًّا. وقد فاقم من حساسية المرحلة تقدم أبناء الملك عبد العزيز في العُمر وما نتج عن ذلك من تعقيدات أوضاعهم الصحية، مع العلم بأن الحكم ينتقل من أخ لأخ. كل ذلك استدعى تكهنات الخبراء والمحللين داخليًّا وإقليميًّا وعالميًّا. تستند هذه الورقة إلى ثلاث أطروحات، أولاً: هنالك تغير يمس بنية السلطة ويمس طبيعتها؛ مما أنتج بداية "الدولة السعودية الرابعة"، وقد دشَّن إنشاء هيئة البيعة عام 2006 بداية "الدولة السعودية الرابعة". ثانيًا: بتحليل نظام هيئة البيعة ودراسة الأوامر الملكية التي صدرت بعد إنشاء هيئة البيعة، فيما يتعلق بولاية العهد ومنصب ولي ولي العهد، يتبين أنه لم تتم مخالفة نظام هيئة البيعة، وبأنها دخلت فعليًّا حيز التنفيذ منذ مارس/آذار 2014. وبما للملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز من نفوذ بارز، فقد أعطى ذلك ثقلاً لبنية الدولة السعودية الرابعة، بما في ذلك هيئة البيعة. وثالثًا: ستواجه القيادة السعودية الجديدة تحديات داخلية وخارجية، ويُتوقع أن تكون قادرة على مواجهتها بكفاءة، بحكم البنية المؤسساتية التي أسهم الملك عبد الله رحمه الله في إرسائها. *باحث سعودي متخصص بالشأن الخليجي هامش 1- يجادل بعض المختصين، كباسكال مينوريه و نبيل مولين، بأنه ليس هنالك سوى نظام الهيمنة المتعددة الذي بدأ، من وجهة نظرهم، في عام 1964، لكن الباحث يفرِّق بين توازن أقطاب الأسرة الحاكمة السعودية أثناء حياة الملك فيصل وتوازنها بعد مقتله. ويعود السبب في ذلك إلى تمتع شخص الملك فيصل بنفوذ بالغ القوة، والذي يعود لخلفية قاعدة الدعم التي كان يمتلكها والمتمثلة في الحجاز بكل ما كان فيه من كوادر إدارية ومؤسسات دولة متقدمة واقتصاد متطور، بالإضافة إلى وجود الحرمين. وقد حكم الملك فيصل الحجاز من العام 1926 وحتى العام 1953، نيابة عن أبيه. بالإضافة إلى ذلك فقد كان الملك فيصل يتمتع بدعم واسع من قبل أفراد الأسرة الحاكمة، وكان ذلك جليًّا في عزل الملك سعود. وهو فوق ذلك سليل الإمامين: محمد بن سعود من جهة أبيه، ومحمد بن عبد الوهاب من جهة أمه. كل ذلك جعله يتمتع بنفوذ استثنائي مما مكَّنه أن يكون القوة المرجحة في توازنات الأسرة الحاكمة، وعليه يجد الباحث فرقًا في بنية السلطة وفي الثقافة السياسية لأقطاب الأسرة الحاكمة بين فترتين: فترة حكم الملك فيصل وفترة ما بعد حكمه.