كسرة - القاهرة 1- إذا سئلت عن تعريف للأنثى، فقل هي اجتماع رقة الطباع وصفاء القلب مع جمال الروح وبشاشة الوجه وبلاغة العينين، أو اختصر كل ذلك وقل «فاتن حمامة». لفترة طويلة وقعت في حيرة حقيقية لاختيار فتاة أحلامي، كانت الخيارات محدودة لكنها محيرة، وكانت المنافسة تنحصر بين فاتن حمامة وسعاد حسني وميرفت أمين، وبعد مقارنات كثيرة وقع اختياري على الأولى. أسبابي في ذلك كثيرة، لكن أهمها على الإطلاق أن فاتن كانت مزيجاً نادراً بين المتضادات، هي الشقية في وقار، الثائرة في هدوء، المنطلقة في حذر، العاقلة في جنون، هي الجمال دون توحّش، والدلال دون تكلّف، والإغراء دون عُري. هي فاتن حمامة.. وكفى. 2- أفضل ما في فاتن أنك تراها مناسبة لكل أدوار الأنثى في حياتك، تتصورها حبيبتك المشاغبة في «الأستاذة فاطمة»، وحبيبتك التي تضحي بسعادتها لإسعادك في «موعد غرام»، وحلمك الصعب في «أيامنا الحلوة»، وزوجتك التي تحافظ على عرضك ومالك في «سيدة القصر»، وأمك العظيمة في «إمبراطورية ميم»، وأستاذتك المثالية في «ضمير أبلة حكمت»، وأختك الثورية في «الباب المفتوح»، وعشيقتك المتحرّرة في «الخيط الرفيع». ذكاء فاتن يكمن في رفضها التنميط، وعدم رغبتها في إيقاف الزمن عند مرحلة تحتفظ فيها بعرشها كفتاة أحلام لجيل الستينيات، ولذلك مازال الصبية الذين ولدوا عام 2000 وبعدها، يتمنون لو صادفوا حبيبة مثلها! 3- «في بيروت؛ الْتقيت بالكثير من الممثلات وهو أمر عادي، لكن الأمر غير العادي هو أني التقيت بامرأة ومعجزة أخرى، هذه المرأة ممثلة اسمها «فاتن حمامة». هذا ما قاله مذيع التليفزيون الفرنسي وهو يقدّم الحوار الذي أجراه مع فاتن للتليفزيون الفرنسي عام 1964، تزامناً مع عرض فيلمها «الليلة الأخيرة» في مهرجان كان السينمائي، بدا من دقائق الحوار الأولى؛ أن الرجل وقع في حبها ككثير من المصريين وتحوّل من محاور إلى مُعجب، يحاول أن يبقى مع نجمته لأطول فترة ممكنة ويعيد عليها السؤال الواحد أكثر من مرة بصيغ مختلفة فقط ليطيل وقت الحوار! ولكي تشفق على المُحاور كما أشفقت أنا عليه؛ يجب أن تشاهد الحوار على مرحلتين، المرحلة الأولى تضع خلالها السماعة في أذنيك لتسمع الحوار دون أن تشاهده ولا تنشغل بالترجمة، وقتها ستسمع اللغة الفرنسية كما لم تسمعها من قبل، ستحبها أكثر بنبرة فاتن، لن تشغل بالك طويلاً بمعاني الكلمات ولن تنزعج من عدم فهم الحوار، وستكتفي فقط بمواصلة الاستماع والاستمتاع. في المرحلة الثانية اكتم الصوت وشاهد الحوار فقط، راقب ميلها يميناً ويساراً، تابع حركات يديها وحاجبيها وكتفيها، ركز في ابتسامتها ونظرتها إلى الأعلى والأسفل، وتوقفها بحثاً عن إجابة، والخطوط التي ترتسم فوق جبهتها حين تتحدث بجدية، وذوقها في اختيار ملابسها ومكياجها وتسريحة شعرها، ثم حدثني عن شيء واحد تتمناه في الأنثى غير متوافر في فاتن حمامة؟ 4- جاء رحيل فاتن حمامة هادئاً سلساً، بقيت إلى جانب محبيها حتى النفس الأخير، تناولت الطعام مع زوجها الدكتور محمد عبد الوهاب ثم حاولت الصعود إلى غرفتها لكن قواها خارت وسقطت بين يديه، وقبل أن تأتي الإسعاف لنقلها إلى المستشفى انتهى الأمر. ماتت فاتن بين يدي رجل أحبها بصدق، ارتبط بها بعدما تجاوزت الأربعين، وأحب فيها روحها الصافية وطباعها النقية وليس جمالها الذي فقدت الجزء الأكبر منه في أوقات سابقة، رجل رافقها في مراحل شيخوختها وأخلص لها وبكى على نعشها بحرقة بعد وفاتها. لكن من قال إن من تزوجا فاتن حمامة قبل «عبد الوهاب» نسياها أو أساء أحدهما إليها بعد الانفصال؟ ففي مذكراته التي نشرتها مجلة «نصف الدنيا» عام 2000، قال المخرج عز الدين ذو الفقار عن علاقته بفاتن حمامة: «تزوجنا في مغامرة، عقد القران في فيلا فؤاد الجزايرلي وكان شهود العقد جليل البنداري وأنيس حامد، وكان السبب في السرية أن أهلها اعترضوا على الزواج، وبدأت الوقيعة بيني وبينها حين أسندت بطولة فيلم إلى فنانة أخرى، فتفسر فاتن العناية بالعمل على أنها عناية بالبطلة، وانتهينا إلى الطلاق، وكان قراراً سليماً لم تطلق فيه رصاصة واحدة على سمعة أي طرف منا، وذهب ما توهمته حباً وبقي بيني وبين فاتن الشيء الخالد (الصداقة)». ورغم الطلاق والانفصال ظل يقول «ذو الفقار» بأن فاتن هي الأروع والأبقى والأجمل والأكثر تأثيراً، وكان يصفها بأنها المعجزة الثالثة في القرن العشرين مع أم كلثوم وعبد الوهاب، وكان يراها تتصدر قائمة الممثلات في مصر، وتظل بعدها عشر خانات في القائمة فارغة لا تجد من ينافسها، حتى تصل إلى القائمة الرقم (11) حيث الأسماء الأخرى. وعلى الرغم من مرور ربع قرن على الطلاق، مازال عمر الشريف يحمل كثيراً من الود لفاتن حمامة، حتى إنه قال في تصريحات له في ديسمبر الماضي: «لم أر فاتن منذ فترة طويلة، ونفسي أكلمها وأشوفها، ومازلت أحبها، وبيني وبينها مودة وعشرة عمر، وقدمنا معاً أعمالاً كثيرة، وأنا دايماً أقول كل شيء نصيب».. الجميل أن هذه التصريحات لم تمنع الدكتور محمد عبد الوهاب من الاتصال بعمر الشريف بنفسه لإبلاغه بخبر الوفاة! هكذا يكون العظماء دوماً، رائعون في الفراق كما في الحب. 5- لا تصدّق من يقول إن فاتن حمامة ماتت، فكلما تنقلت بين القنوات ستجدها، وكلما تأملت ملامحها ستتمنى أن يكون في حبيبتك طيف منها. دعكم من موزّعي صكوك الغفران ومالكي مفاتيح الجنة، وادعوا لفاتن حمامة بالرحمة بقدر ما زرعته في نفوسنا من رُقي وما تركته في أعيننا من جمال.