د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس الاقتصادية - السعودية باختصار التوسط بين الربيعة والفقيه هو ما على وزير الصحة محمد الهيازع القيام به، فوزير الصحة السابق عبدالله الربيعة كان يراهن على أنه بمجرد انتهاء المشاريع الصحية الحالية سينعم المواطن بخدمات صحية مميزة، فلم تكن خصخصة الخدمات الصحية من ضمن أولويات وزارته، بدليل أن الخطة الاستراتيجية لوزارة الصحة لم تتطرق إلى موضوع خصخصة الخدمات الصحية، بل كانت استراتيجية لإدارة المستشفيات (وقد كتبت عدة مقالات حول هذا الموضوع انظر أعداد جريدة الاقتصادية 6749)، 6761، 7029 وتاريخ 3-4-2012 و15-4-2012، و8-1-2012)، فالخطة الاستراتيجية التي صدرت في عهده كانت تهدف إلى إقناع صانع القرار بأهمية زيادة الاعتمادات المالية لوزارة الصحة، وتجاهلت تلك الاستراتيجية مواضيع مهمة كالخصخصة أو تطبيق التأمين الصحي على المواطنين. ولعل تجربة وزير الصحة الأسبق في وزارة الحرس الوطني أثرت في عدم رؤيته للحلول الأخرى، فوزير الصحة الأسبق الدكتور عبدالله الربيعة ركز على إدارة مستشفيات وزارة الصحة وكأنها وزارة لإدارة المستشفيات وليست وزارة تهتم بالصحة بمفهومها الشمولي.. كما أن الربيعة أغفل بشكل واضح أولوية رفع كفاءة النظام الصحي الحالي. ولعل نظرة الربيعة لوزارة الصحة غلب عليها نظرته كطبيب وليس كمسؤول عن الصحة بمفهومها الشمولي. فوزارة الصحة تدار بعقلية لدى مريض يطلب الرعاية الصحية، وليس على أساس لدى شريحة من السكان يجب توفير الرعاية الصحية لهم بغض النظر أصيبوا بالمرض أم لا. كما أن وزارة الصحة وقتها ركزت على رفع جودة تجهيزات مستشفيات وزارة الصحة دون النظر إلى رفع كفاءة النظام الصحي السعودي. فهناك فرق كبير بين جودة تقديم الخدمة الصحية وجودة النظام الصحي. فأمريكا يوجد فيها أفضل المراكز العلاجية في العالم، مع أن نظامها الصحي من ضمن أسوأ الأنظمة الصحية؛ بسبب فشلها في تسهيل إيصال الخدمة لمحدودي الدخل. أما إدارة وزير الصحة المكلف السابق المهندس عادل فقيه، فكانت تتجه إلى الطرف الآخر من معادلة الخصخصة، ومتأثرة بنظرته كرجل أعمال وليس كصانع للقرار الصحي. لذا نظر إلى القطاع الصحي بنظرته نفسها إلى القطاعات غير الصحية كالاتصالات وغيرها، ونسي فقيه أن نجاح الخصخصة في القطاعات غير الصحية كقطاع الاتصالات وغيرها بسبب أن المستفيد من الخدمة يمكنه مقارنة الأسعار وجودة الخدمة بين مقدمي الخدمة، بينما لا يمكن عمل هذا النوع من المقارنة في القطاع الصحي بسبب الجهالة في نوعية الخدمة العلاجية التي يحتاج إليها المريض وغيرها من الأسباب، كما أن الخصخصة الكلية للخدمات الصحية لم تحقق نتائج إيجابية، سواء على مستوى جودة الخدمة، أو تقليل التكلفة العلاجية كالولايات المتحدةالأمريكية. كما أن المهندس فقيه خطا خطوات استراتيجية نتيجة تجاهله للكفاءات التي كان تعمل في وزارة الصحة عندما تولى مهام الوزارة وكأنها وزارة تفتقد الكفاءات. وكما هو معلوم أن وزارة الصحة كأي قطاع يوجد به المخلصون والأكفاء كما يوجد غيرهم. فالقائد الناجح هو من يستطيع التنقيب عن الكفاءات داخل الوزارة واستثمارها. هذه النظرة لا تتعارض مع أهمية الاستفادة من الكفاءات خارج الوزارة. هذا التوجه الذي سلكه فقيه أدى إلى تجميد الكفاءات الموجودة داخل أروقة وزارة الصحة، ما ضاعف مصروفات ونفقات وزارة الصحة، كما أوجد مصطلحا لم يكن موجودا من قبل داخل أروقة وزارة الصحة "الفريق القديم" و"الفريق الجديد". هذا المصطلح يعوق العمل الجماعي وينشئ بيئة غير صحية. لا شك أنه على الرغم من الفترة المحدودة التي قضاها وزير العمل المهندس عادل فقيه وزيرا للصحة بالإنابة، إلا أن المهندس فقيه استطاع خلالها تحريك المياه الراكدة داخل وزارة الصحة. كما أسهم فقيه بشكل واضح في تطوير بيئة الاستثمار الصحي، وفك احتكار الاستثمار في القطاع الصحي من قبل الأطباء. إن من أهم ما يحتاج إليه الهيازع أن يتوسط بين الربيعة وفقيه خصوصا فيما يتعلق بالخصخصة. فخير الأمور الوسط، هناك خدمات يمكن خصخصتها لكون مخرجاتها قابلة للقياس بسهولة كمراكز الرعاية الأولية والرعاية المنزلية وغيرهما. ويمكن لوزارة الصحة أخذ خطوات عملية ومباشرة نحو تحقيق هذا الهدف. أما مستشفيات وزارة الصحة فتنقصها الاستقلالية الإدارية والمالية ورفع كفاءتها وكفاءة العاملين فيها. هذا الهدف يمكن تحقيقه عبر عدة طرق قد لا تكون الخصخصة بالضرورة أحدها. الخلاصة أن على وزير الصحة الدكتور محمد الهيازع السير نحو الخصخصة بصورة ذكية ومتوسطا بين الربيعة وفقيه، فلا يوجد نظام صحي في العالم قادر على تشغيل وإدارة كل المهام الصحية من مستشفيات ومراكز صحية أولية وخلافه. فالخصخصة الذكية هي الخطوة الأولى نحو تقليل مركزية قرارات وزارة الصحة وإعادة ترتيب أولوياتها بصورة علمية وعملية صحيحة.