الاقتصادية - السعودية .. أحياناً يعتري عقلي تفريط هرموني لا أعرف كنهه، يجعلني أربط أشياء لا تتصل مع بعضها لأول وهلة، وربما كان هذا عائدا لقراءاتي عن ليوناردو دافنشي وطريقة تفكيره في ربط أشياء لا ترتبط، وربما فقط ذاك الفرط الهرموني، فربطت ميزانية الدولة بهيكلنا العظمي. لا تضحكوا عليّ رجاء إلا في نهاية المقال فلعله ينطبق عليكم القول السائر: الفائز من يضحك أخيرا. عظامنا خلقها الله صلبة وقوية، تلك القوة مُتاح فيها أمران: الالتواء، والمرونة. فعظامنا رغم قوتها تميل وتنحني أحيانا بشكل لا يشكل خطرا أو تشويها لأن المرونة المتاحة في قدرة العظام وهي تنمو على إصلاح نفسها بنفسها، إلا بالكسور الكبيرة المفاجئة، هنا يكون التدخل الطبي واجبا. كما أن عظامنا رغم صلابتها مدت بالمفاصل العالية الأداء والتركيب الهندسي الحيوي فلا تكون مشيتنا كما تمشي اللعبة مثلا، ننقل الرجل كاملة أو نلوح باليد كاملة. هذه المفاصل مع عظامنا تعطي للإنسان هذه المِشية الكريمة التي رفعته وعزلته عن باقي المخلوقات بمسألة الرقي والكرامة في المظهر والقدرة على الأداء العالي بأطرافه. والعظام تقي العضلات وترفدها وتقوى إمداداتها لنفسها عندما يحتاج الإنسان أن يمضي أكثر في طريق إبهار الحركة للجسد البشري، عند اللاعبين الرياضيين، ويلمع بأناقة هذا الجسد وقوة ألقه عند لاعبي الجمباز. وللعظام أدوار كثيرة حسب موقعها فأحيانا تكون رافدا ثابتا في مواقع مهمة لاستقامة وقوة بناء واستقامة الجسد. ولم نخدش بعجالتنا سطح دور العظام في بنائنا الهيكلي. ولنستعر منطق هيكلنا العظمي مشكورا لنطبقه على ميزانية الدولة للعام المقبل. الميزانية في الدولة بمنزلة النخاع في العظام، وصحة النخاع من صحة العظام، وهذا منطق مفهوم. لذا الميزانية وإن كنا لا نراها مكشوفة للعيان إلا في موعد ظهورها السنوي، إلا أنها تستمر بلا انقطاع في تحريك ودعم كل مرافق الأمة هيكليا. والسؤال المطروح في عجالتنا هذه ولنشارك بالتفكير جميعا، ومن واقع آلية العظام التي تتجلى بها معجزة من معجزات الخالق: "هل ما حدث في ميزانيتنا هذا العام التواء بسيط ستعالجه الميزانية أو الأداء العام بالدولة وهو ينمو، كما تجبر وتعدل العظام نفسها في التواءاتها البسيطة؟ أم أن ما حدث للميزانية كسر كبير يجب التدخل المتخصص لإصلاحه؟ سؤال تمنيت أن يجيب عنه أو يهتم به المتخصصون لأنه السؤال الشاغل، كما أدعي، للجميع. وكما يفهم بتدرجات الفهم المنطقي التتابعي. ولم يُجَب عن هذا السؤال بدقة بالتقارير المنشورة، بعضها تعطينا علامات الطريق للوصول للحل، كما بشبكة المتاهة التي تعرض في صفحات التسلية ببعض الصحف، وعلينا تتبع النقاط. والنقاط بالنسبة لميزانيتنا هي الأحداث والظروف التي نراها، مع علمي أن ما لا نرى يبقى الكتلة الكبرى. أعتقد أن أداء جسدنا الاقتصادي ما زال قائما مستقيما يسير بكامل كرامة المشية التي تحدثنا عنها، وأظن أن الالتواءات حدثت كما يعرف الجميع بسبب تدني السعر لبرميل النفط بشكل ساقط مفاجئ. والسقوط هنا كمن يهوي من مرتفع لهوة، ورجله مربوطة فوق بحبل للنجاة، وهي لعبة المخاطرة المعروفة. الحبلُ هو الاحتياطي النقدي. والاحتياطي النقدي والصناديق السيادية كما أفهمها هي لتنمية الثروة العامة للمستقبل كعامل أول، واللجوء للسحب منه سميناه التواءً سيصلح نفسه بنفسه لو صدقت التوقعات في عودة أسعار النفط للارتفاع من جديد. ويبدو أننا سنتحمل الإنفاق القوي أو عدم الدخول في سياسات التقشف للسنوات الثلاث المقبلة. ثم.. ماذا؟ لو لم تصحح الأسعار، وبدأت العظام تنهش من مخزونها من تركيبها الحيوي وطوبها العضوي الكالسيوم فستدخل بطور العارض الكبير. في رأيي أن ما حدث خير لأنه ينبهنا بضربة الواقع أن نخطط بشكل فوري وجاد لما بعد النفط. على أن هذا الخير قد لا يُكتب له كامل البزوغ، لو استمررنا في شغلنا .. كالعادة!