الاقتصادية - السعودية نحن -بني البشر- في عصرنا الحاضر في واد، والنفط المغلوب على أمره في واد آخر. ونخص النفط الذي يطلَق عليه "التقليدي". وهو الذي يمد العالم بأكثر من 80 في المائة من مجموع الإنتاج العالمي الذي يبلغ 93 مليون برميل من السوائل النفطية. والباقي يمثل ستة ملايين برميل من النفط غير التقليدي والسوائل النفطية الأخرى، مثل المكثفات الغازية. يتخاطب المجتمع الدولي مع نفسه عن الإنتاج وعن الاستهلاك وعن الأسعار وعن المنافسة، ويستخدم في لغة المخاطبة شتى ألوان المفاهمات والاتهامات، وأحيانا التنابز بالألقاب. ومنهم من يدعي أن المخزون النفطي ليس له نهاية. ويقولون أنتجوا منه ما طاب لكم من الكم ولا حرج. ولا يزال الحديث عن النفط التقليدي، الذي ينبع من حقول معظمها تعدى عمرها المديد 50 عاما من العطاء والإنتاج المسرف وبلغت الذروة التي لا يود البعض أن يعترف بوجودها. والذروة هي نقطة البداية للهبوط. وهناك قلة من المتابعين يرون غير ذلك، وينصحون بالرفق بهذه الثروة الناضبة وألا يستغل العالم رخص ثمنها وسهولة نقلها واستخدامها وكثافة مخزونها من الطاقة، فيسرف في استهلاكها، أو بالأحرى إهلاكها. وبين هذا وذاك، والأخذ والرد، في مناسبات صعود الأسعار إلى مستوياتها المقبولة أو الهبوط السريع غير المنضبط، كما هو حاصل اليوم، فالنفط سائر في طريقه إلى النضوب، غير عابئ بما هو حاصل من حوارات ونقاشات واتهامات ليس من ورائها طائل. فالذي يهم النفط التقليدي ويشغل باله ويقلق راحته، ونحن أيضا معه، هو استنزاف 93 مليون برميل، ناقص ستة، كل 24 ساعة، متناسين أو غافلين عن أن هذه الكمية الهائلة من السوائل النفطية ستتراجع وترتفع تكلفة إنتاجها بسرعة غير عادية. ونحن نعلم أن النفط التقليدي سيتحول في يوم ما إلى غير تقليدي بسبب تكلفته وصعوبة إنتاجه، وهو أمر يجب أن نحسب له ألف حساب. وإذا انهار إنتاج النفط التقليدي، وقد تكون مفاجأة للذين ليس لديهم خلفية في هذا المجال، فسنعود إلى المصادر غير التقليدية المكلفة. التي ستراوح تكلفة إنتاج البرميل منها بين 50 دولارا إلى 200 دولار. فالنفط الصخري الأمريكي والنفط الرملي الكندي، معروف أن تكلفة إنتاج البرميل من النوعين في حدود 50 إلى 80 دولارا. يليهما الصخر النفطي في أي مكان في العالم والنفط الصخري خارج أمريكا، تكون تكلفة إنتاجهما قريبة من 150 دولارا للبرميل. قد تنقص قليلا أو تزيد. وسيأتي حينئذ دور نفوط أعالي البحار والمناطق المتجمدة بتكلفة بين 150 إلى 200 دولار للبرميل. ولكن، مهلا، ليست تكلفة وصعوبة الإنتاج وحدها، إضافة إلى المؤثرات البيئية غير المحمودة، هي فقط التي نحاول لفت الانتباه إليها. بل الأكبر خطورة على مستقبل مصادر الطاقة هو أن إنتاج غير التقليدي لا يستطيع تحت أي ظرف من الظروف أن يفي بحاجة المجتمع الدولي عندما ينخفض إنتاج التقليدي بكميات كبيرة. وهذه هي الحالة التي لم يعرها أحد الاهتمام الذي يتناسب مع خطورتها. فجُل اهتمام المؤسسات التي تتابع مستقبل الإنتاج العالمي، مثل وكالة الطاقة الدولية، يتمركز حول مدى إمكانية رفع قيمة الاستثمارات المالية من أجل الإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية من الحقول القديمة. وهذه الفلسفة لها حدود، فقد يساعد ضخ مزيد من الأموال في الحفاظ على مستوى الإنتاج لفترة قصيرة ثم ينتهي مفعولها. ولا نظن أنه يخفي عليهم شبه استحالة وجود حقول نفطية جديدة كبيرة من نوع التقليدي الرخيص. فقد انتهى العصر الذهبي للاكتشافات النفطية، وما بقي إلا عالي التكلفة. ومن الصعوبة بمكان أن تقنع من لا يؤمنون بالإقناع أن الاحتياطي المتبقي الحقيقي من النفط التقليدي، إذا استبعدنا الإضافات الفنزويلية والكندية الأخيرة من غير التقليدي والتضخيم غير المبرر، لا يزيد على تريليون برميل. الذي من المتوقع أن يحدث، هو انخفاض تدريجي في كميات الإنتاج على مدى العقود المقبلة. ففي المراحل الأولى من الهبوط، سيكفي إنتاج المصادر غير التقليدية لتعويض النقص، كما هو حاصل اليوم من الصخري والرملي. ولكن مع مزيد من هبوط إنتاج التقليدي، ستتسع الهوة بين الطلب والمعروض ولن يكون بإمكان غير التقليدي الوصول بالإنتاج إلى مستوى الطلب، رغم أن الاحتياطي يقدر بما يزيد على ستة تريليونات برميل، مقابل تريليون واحد للتقليدي. وبطبيعة الحال، فهناك مجال واسع لمشاركة مصادر الطاقة المتجددة، كرافد للمصادر الهيدروكربونية.