المصري اليوم - القاهرة لا تنجح التغييرات الكبرى فى تاريخ الشعوب إلا إذا وجدت تأييدا واسعا وفهما صحيحا من القطاعات المؤثرة بالمجتمع وإذا لم تقتنع هذه الكتلة الحرجة الكمية وليس النوعية فقط بضرورة التغييروتتفق على آلياته وأهدافه فإن أحلام صناع التغيير تظل أحلاما بل قد تعتبرها بعض هذه الشرائح عملا مضرا بها تقف لمواجهته وإجهاضه. أربع سنوات من تاريخ الثورة المصرية توجب علينا السؤال هل الشعب يريد التغيير؟ وهل التغيير يعنى تغيير شخص الحاكم فقط؟ لو عرف الثوار من الذى اختزل ثورتهم فى رحيل مبارك بشخصه فقط لعرفوا من الذى ضحك عليهم واستحمقهم ووصل بثورتهم إلى أن يصبح جل أمانيها ألا يقال إنها مؤامرة! ترك مبارك الحكم لكنه ترك لنا مؤسساته وأجهزته ونظامه الحاكم ولا تنخدع فى التمييز بين مؤسسات الدولة التى يجب الحفاظ عليها حماية لبقاء الدولة نفسها وبين تركة عفنة تنخر فى جسد الدولة وتعيق تقدمها وانطلاقها للمستقبل. لا تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام» قبل أن تعرف ما هو النظام الذى يجب أن يسقط ولا تختزله فى شخص ولا عدة أشخاص، لا تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام» قبل أن تعرف ما الذى يليه فربما تسقط نظاما ليأتيك نظام تترحم معه على نظام أسقطته، دائما هتفت بالرحيل والسقوط دون أن تمتلك البديل الجاهز والمتفق عليه ليملأ الفراغ الحادث بسقوط السلطة فكانت العاقبة أنكى وأمر. لا تقل إن إعداد البديل ليس دورى فهو دورك الآن بامتياز، لا تحدثنى عن نخب كبيرة وشابة لا تستطيع التوحد على ورقة من عشر نقاط ثم تنتظر منها أن تصنع التغيير المرتقب، لا تسب هذا الشعب وتتهمه بالجهل والعبودية فما الذى قدمته له حتى يتبعك؟.. هناك من قدم له مخدرات دينية وهناك من قدم له مخدرات وطنية.. هناك من استغل مخاوفه وتعبه وإنهاكه، لذلك لا تعتقد أن تصاعد المظالم واستمرار الفشل فقط سيصنع التغيير الذى تحلم به، قد يصنع انهيارا وفوضى عارمة لكن لن يتبعها البناء المنشود وخلف كل قيصر يموت ألف قيصر يجىء! إذا كنت تبحث عن الشعب فهم ليسوا عبيد كل سلطة يسجدون لها وهم ليسوا مهاويس تنظيم يأخذ الدين مطية للحكم وهم ليسوا المنظرين لكل استبداد بل هم ملح الأرض الذين يحلمون أحلاما بسيطة وينتظرون غدا أفضل وهم نفس الناس الذين يقبلون استبدادا يعرفونه عن استبداد لا يعرفونه وهم الذين يخافون التغيير المجهول ويفضلون الاستقرار ولو كان مميتا وهم الذين تلعب بعقولهم أبواق الإعلام وتغير أفكارهم من الصباح للمساء، هذه خلفية المشهد الذى تتحرك فيه فلا تتكبر عليه ولا تنفصل عنه واخرج من الأحلام الوردية التى سقطنا فيها جميعا، فلنعترف بسذاجتنا وندع التلاوم والشماتة وتسجيل المواقف، تعلم الدرس ولا ترض ثانية أن يقدموا لك أحدهم قربانا ليمتصوا غضبك ويبقى الوضع على ما هو عليه أو يزداد سوءا. مرارات السنين الماضية تلهمك وترسم لك الطريق الجديد فلا تمارس الاستحماق ولا تسلك نفس الدروب المسدودة وتذكر أن هذا الشعب لا يريد إسقاط النظام بل يريد بناء نظام! [email protected]