المصري اليوم - القاهرة (1) هل تعرف لماذا لن ينجح الإسلاميون، على الأرجح، خلال القرون الثلاثة القادمة على أقل تقدير؟ لأنهم في حالة إنكار متقدمة.. مهما انهزموا فلديهم تكييف ما للهزيمة بحيث تبدو شيئا آخر..غير ما هي عليه حقيقةً كهزيمة. (2) قبل نحو 6 سنوات، كنت أحقق في قصة صحفية عن حفل زواج جماعي للمفرج عنهم من أبناء الجماعة الإسلامية والجهاد، برعاية أمن الدولة، في نادي المقاولين العرب. وأصل الحكاية، أنه تحت مزاعم المصالحة والاحتواء الاجتماعي، رتب أمن الدولة حفل زواج جماعي للخارجين من المعتقلات، وجهز لكل واحد منهم غسالة وعدة أغراض منزلية، على سبيل الهدية، ثم تكفل مكتب مكافحة التيار الإسلامي بمراسم حفل تزويج أفراد التيارالإسلامي، ممن دهست شبابهم سنو السجن والتعذيب! جلس المشايخ الخارجون من غياهب المعتقلات في حفل زفافهم الصوري المفتعل، بينما احتل المقاعد الأمامية في صفوف المدعويين السادة ضباط أمن الدولة من الذين تولوا التحقيق معهم وتعذيبهم من قبل. تخيل أن تجلس في «كوشة» زفافك، بينما يجلس أمامك ضابط أمن الدولة الذي كان يعذبك..أي بؤس هذا؟ كان المشهد مربكا ومرتبكا.. احتج الإسلاميون في البداية على وجود معازف وغناء، وهالهم أن يزفوا بينما يحيي حفل زواجهم إيهاب توفيق شخصيا. وحين أبدوا امتعاضهم، هددهم أحد الضباط بالعودة بهم إلى المعتقلات مرة أخرى..(أومال مراجعات إيه وتوبة إيه؟) قالها بحسم. لكن أحد المشايخ/العرسان، مال إلى أحد زملائه في الكوشة المنصوبة على ارتفاع متر ونصف..وهمس في أذنه قائلا: «انظر..نحن أعلى منهم..الكوشة مرتفعة عن الأرض..وهم يجلسون على الكراسي تحتنا..ألا ترى أن الآية تتبدل؟ ألا ترى أن الله جعلنا أعلاهم وجعلهم أسفلنا؟ إنها بشائر التمكين» حين كنت أتحدث مع شهود عيان من «العرسان» أنفسهم من أبطال هذه الموقعة، أدهشني حالة الإنكار التي تتلبسهم.. فأي علو في أن تجبر إجبارا على أن تتزوج وفقا لما يمليه عليه السجان والجلاد؟ الإسلاميون عموما، يدمنون الرمزية، ويعشقون استنطاق المواقف لمصالحهم. (3) وصفت دعايا الإخوان مرشحها الأول لانتخابات الرئاسة خيرت الشاطر بأنه «يوسف هذا العصر..خرج من السجن ليحكم مصر»..ولما لم يسمح ليوسف عصره بخوض الانتخابات، اختاروا لنا نبيا آخر اسمه محمد مرسي..قالوا عنه «لقمان الجماعة». وهكذا..كل إخواني، يحمل صفة ما من صفات الأنبياء عليهم السلام..وكل واحد فيهم تضاهي سيرته سيرة عظيم ما. ليس بينهم شخص عاد فان مثلي ومثلك..ليس بينهم من يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. حتى على منصة رابعة، حين وقف أسامة محمد مرسي، وأراد أن يعبر عن دعمه هو والمعتصمين لوالده قال: «وأقول لوالدي، اذهب أنت وربك وقاتلا إن معكما مقاتلون»..وللمفارقة هي قولة الصحابي الجليل، المقداد بن عمرو –رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر..حين أبدى رباطة جأش في خطبة مشهورة قبيل مواجهة جيش قريش الجرار. فكأنما نصرة الإخوان لمرسي يومها، هو من قبيل نصرة المقداد للإسلام يوم بدر. كل موقف لديهم مستنسخ من موقف ما في السيرة، وكل موقف في السيرة قابل «للتقييف» بحيث يبدو مطابقا لحالة ما من حالات الإخوان. يستدلون من القرآن والسيرة كل ما يوافق فعلهم الآني، وما يسبغ عليه قداسةً ما تصوره أنه أفضل المتاح. وربما ليس أفضل للتدليل على هذه الفكرة من إيراد تلك المقدمة التي كتبها أحد الصحفيين الإخوان في افتتاحية حوار أجراه مع المرشد الأسبق مصطفى مشهور عام 1996، وأورده الباحث الألمعي في مجال الحركات الإسلامية حسام تمام (رحمه الله)، في إطار كتاباته المطولة عن الجماعة و«تكوينها» التنظيمي والنفسي. كتب الزميل الصحفي حينها: «صنع الله دعوة الإخوان المسلمين على عينه، فرسم لها طريقها وحدد لها أهدافها واختار لها الخير في كل خطواتها ومراحلها حتى في حالة الهزيمة والانكسار، بل إن أشخاصها وقيادتها جاءت أشبه بالاختيار الربانى فعكست في أفكارها وتصرفاتها وقرارتها الشخصية وربما صفاتها وأسمائها العناية الإلهية لدعوة الإخوان والتي تضع كل شئ في موضعه ونصابه ... لذا لم تكن مصادفة أن يكون ( حسن البنا ) هو المرشد الأول الذي بدأ الدعوة ووضع البناء !، و( حسن الهضيبى ) هو المرشد الثانى الذي قاد سفينة الدعوة في محنتها وتصدى لمن كادوا لها من رجال الثورة فكان ( الهضبة ) التي تحطمت عليها مخططاتهم ومكائدهم، ثم جاء ( عمر التلمسانى ) بعده فأعاد تجميعها و( تلمس ) لها خطواتها بعد المحنة الناصرية، وحل بعده ( حامد أبوالنصر ) مرشدًا رابعًا فكان عنوان (النصر) الذي أحرزه الإخوان في النقابات ونوادي هيئات التدريس والمجالس المحلية والبرلمان إلى أن توفاه الله وتولى بعده ( مصطفي مشهور) الذي يضع الإخوان عليه الآمال في أن يعيد (شهرة) الجماعة عالميًا وهو صاحب الجهد الأكبر في بناء وقيادة التنظيم العالمى للإخوان». هل تعتقد أن جماعة تلتمس في أسماء مرشديها ( لا سلوكهم فحسب) إشارة عن نوايا السماء الطيبة تجاهها يمكن أن تعترف يوما ما أنها أخطأت؟ (4) القاسم المشترك بين التيارات الإسلامية على عمومها، هو مضاهاة مواقفها (أخطاءها ومحنها) بموقف ما من سير الأنبياء والصحابة والتابعين، واستنطاق الموقفين معا بحيث يبدوان متطابقين. الأزمة هي الإيغال في الاستنطاق الرمزي لكل حدث بحيث تبدو سيرتهم امتدادا لسير الأنبياء والصحابة والتابعين، لا يغشاها الزلل، ولا يعترض طريقها الخطأ ولا النقص البشري ولا حتى سوء التقدير. كيف يمكن أن يتعلموا من تجربتهم كأي جماعة بشرية تريد تصحيح أخطائها وتقويم مسار نفسها؟ كيف يمكن أن ينتقلوا خطوة للأمام وهم الذين لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم؟