د. هشام بن عبدالملك بن عبدالله آل الشيخ * الرياض - السعودية مرت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بعدة مراحل فيما يتعلق بتطوير القضاء، إلا أن المرحلة الأكبر والأوسع على الإطلاق ما نشهده هذه الأيام؛ إذ يعد مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- لتطوير مرفق القضاء نقلة تاريخية وحضارية غير مسبوقة؛ إذ بهذا المشروع العملاق يتم تطوير النظم العدلية والنظم التقنية وتهيئة الكوادر وتوفير الوظائف والتجهيزات والمباني ويتم بناء البيئة القضائية الصحيحة والسليمة بشكل عام؛ ليتحقق الهدف والغاية المرجوة من هذا المشروع على وفق ما أراد خادم الحرمين الشريفين أيده الله وبارك في عمره وعمله. وهذا المشروع نقل القضاء في المملكة العربية السعودية إلى عهد جديد ومرحلة جديدة بعيداً عن الجمود والخمول والكسل والرتابة التي كانت في السابق، ويساهم هذا المشروع في تميُّز السلك القضائي بجميع مرافقه وملحقاته تميزاً لا نظير له، إذ لم يشهد مرفق القضاء ما يشهده الآن في هذا العهد الزاهر من تطور ورقي في شتى المجالات. إن الجهود التي تبذلها وزارة العدل ممثلة بمعالي وزيرها الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى -وفقه الله لكل خير- والذي كانت له البصمات الواضحة والجلية في تفعيل مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير القضاء؛ حيث استطاع بحنكته وصواب رأيه القضاء على كثير من الإشكالات التي كان يواجهها السلك القضائي وتؤدي إلى بطء العمل وتأخر القضايا مما ساعد على سرعة الإجراءات في المحاكم وكتابات العدل، كما ساهمت خبرته القانونية والإدارية في استحداث وكالات وإدارات جديدة في الوزارة، ومن ضمنها وكالة الوزارة لشؤون التوثيق، والتي تساهم في القضاء على إشكالات الأراضي، إضافة إلى استحداث دوائر التنفيذ القضائي، ودوائر الإنهاءات التي خففت العبء عن المحاكم. إن الإخلاص في العمل هو الذي قاد لمثل هذه الإنجازات المباركة وفي وقت وجيز، وهذا يدعونا جميعاً للتفاؤل بهذه الجهود التي لو ذكرناها لما استطعنا إيفاءها حقها. إن المملكة العربية السعودية تعتمد في قضائها على الكتاب والسنة وهذا ما نص عليه النظام الأساسي للحكم، وفي تصوري أن العالم من حولنا ينظر للقضاء في المملكة أنه قضاء يتسم بسمات ويتميز بميزات منها على سبيل المثال: إنه رباني المصدر إذ يعتمد على مصدر إلهي لا دخل للبشر في وضعه مما يزيده قوةً وثباتاً واستمراراً، إضافةً إلى وجوب تسبيب الأحكام القضائية إذ الحكم غير المسبب مدعاة للنقض، ومن سماته أيضاً مجانية الترافع بخلاف ما هو عليه في الكثير من الدول التي تأخذ مقابلا ماليا على فتح القضية. والكثير من القانونيين والمتابعين للشأن القضائي في المملكة العربية السعودية يتوقعون مستقبلاً مشرقاً للقضاء في المملكة خاصةً بعد ما يتم تحقيق مقاصد مشروع خادم الحرمين الشريفين في تطوير العمل القضائي ويتم تفعيله على أرض الواقع. إن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير القضاء يعتبر المرتكز الأساس في مواجهة الحملات الإعلامية الموجهة للسلك القضائي في المملكة العربية السعودية، فما يحمله هذا المشروع من طموح وإنجازات ورفعة للعمل القضائي ستقضي على جميع الدعايات المغرضة الموجهة على القضاء في المملكة. لكن الكثير من السهام الموجهة على القضاء في بلادنا الغالية ينصب على مسألة واحدة وهي: عدم وجود مرجع قانوني يتحاكم إليه المتخاصمان، بمعنى عدم وجود نصوص قانونية يمكن أن يرجع إليها عند التحاكم، وأقول: الحكم في المملكة بالكتاب والسنة، فالحدود والقصاص مقننة من رب العالمين لا دخل لنا فيها ولا تصرف لنا فيها، وإنما نحكم بما حكم الله تعالى، فالسارق تقطع يده وفق شروط معينة، والزاني المحصن يرجم، وشارب المسكر يجلد وهكذا، أما القضايا التعزيرية التي يُرجع فيها لاجتهاد القاضي فهي بيت القصيد، إذ تختلف أحكام القضاة في القضايا المتشابهة في الظاهر مما يجعل لأهل النقد سبيلاً للحديث عن تناقضات القضاء في المملكة، لذلك أرى ضرورة التقنين في القضايا الاجتهادية، وذلك بفهرسة كتب الفقه وتحويل النصوص الفقهية إلى مواد قانونية أو نظامية تتيح للقاضي مجالاً من الاجتهاد في حدٍ أعلى وحدٍ أقل. ولا شك أن مثل هذا التقنين سيساهم بشكل كبير في تحقيق ما يرمي إليه مشروع خادم الحرمين الشريفين في تطوير القضاء، وأظن المشروع سيتولى الترتيب لهذا الأمر، كما أن الندوات والملتقيات والمدونات القضائية تساهم في ذلك. لقد شهدنا في السنوات الماضية من عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- إنشاء المحاكم المتخصصة، والتوسع في بناء المحاكم وكتابات العدل، وكذا التوسع في تعيين القضاة، ونشر الثقافة العدلية في المجتمع، كل ذلك ساهم بشكل كبير في مسيرة عمل المحاكم وتقليص الكثير من الإجراءات والتعقيدات التي كانت موجودة في السابق. أسأل الله تعالى أن يوفق القائمين على هذا المشروع المبارك لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. *الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية