مكة أون لاين - السعودية لن ألعن الظلام ولن أتحدث عن المجرمين والقتلة ومن نزع الله من قلوبهم الرحمة وأعمى أبصارهم عن الهدى. سنتحدث عما كان يجب علينا أن نقوم به قبل أن يحدث ما حدث وماذا فعلنا وماذا نستطيع أن نفعل بعد حادثة الأحساء، هل سنكون صادقين ونتحمل مسؤوليتنا؟ ونقول إن منابرنا وخطبنا ومواعظنا ومجالسنا الخاصة والعامة، وأحاديثنا فيما بيننا وثقافتنا في البيت وفي المدرسة وفي الشارع، وفي كل اجتماع وفي كل لقاء، كان لها تأثير كبير في أسباب العدوان والبغضاء التي انتشرت بين الناس وتفاعلوا معها، هل نستطيع أن نقول ونحن مطمئنين إلى ما نقول إن ثقافتنا العامة والخاصة بريئة من شق الصف الوطني وأنها تدعو إلى التسامح والرحمة والرفق الذي نطلبه لأنفسنا ونريده لمجتمعنا، أو أننا ساهمنا دون أن ندرك خطورة ما نفعل بكم هائل من ثقافة الكراهية وانغمس الجميع منا في بحر متلاطم الأمواج من الشتائم والإدانات وضروب من التصنيفات والتناقضات، كل يرى أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة المطلقة ومن خالفه فهو جاهل أو عدو أو خائن. لا أريد أن تجيبوا على السؤال أريد أن يتذكر كل منا جيدا ما كان يقول وما كان يعتقد في نفسه، و فيمن كان معه على رأيه وكيف ينظر إلى غيره عندما يخالفه أو يعارضه. وما مدى الإدانات والكراهية التي يضمرها في نفسه ويعلنها فيمن يوافقه ويرى رأيه أو يتفق معه. وكانت سلبيتنا أمام دعاة البغضاء وأهل الأغراض والأهواء وسيلة من وسائل طغيانهم، سمعنا الأكاذيب والخرافات وسمعنا تحقيق المعجزات فلم نرد على الكذب ولم نصحح الخرافة ولم ننكر النبوءات والبطولات فزاد سوادهم وكثر أتباعهم حتى بلغ الحال إلى ما حدث في الأحساء وما حدث قبله من قتل الأبرياء وسفك الدماء. وقد يحدث مثل ذلك، لا سمح الله، إن لم نتدارك الأمر ونغير ما نحن فيه من حشد طائفي إلى دعوة رفق ووعي وتسامح. لقد تحولت ثقافتنا إلى حضن واسع للتنازع والاختلاف ولا أظنكم تنكرون ذلك أو تقللون منه حتى وإن أردتم، لأن كل الشواهد تدل على أننا شققنا طرقا كثيرة وسلكنا مسالك وعرة ووسعنا دائرة الاختلاف ولم يكن منا رجل رشيد يقف من غلونا، فيما نعتقد صحته وسلامته، موقف المنصف الذي يعرف أننا لا نستطيع حمل الناس على رأي واحد مهما حاولنا وأن العصا الغليظة التي نرفعها في وجه من يخالفنا ستكون وبالا علينا جميعا بل ستقع على رؤوسنا أولا، لأن الخاسر في كل الأحوال هو الوطن الذي نقتسمه ونعيش عليه في خلافنا وحربنا التي نشنها على أهلنا وشركائنا في الوطن والدين. خلقنا أشباحا من الأعداء الذين لا يوجدون إلا في فكرنا الشاذ المتطرف وقاتلنا هذه الأشباح بكل الوسائل بالقول والعمل وأسرفنا في ذلك حتى صار كل من حولنا عدوا لنا ويشكل خطرا علينا. إن كل أحداث القتل والتخريب والإرهاب منذ تفجيرات مجمع العليا قبل ربع قرن وحتى جريمة الأحساء الرهيبة ومن ذهب في تلك الأحداث من المجرمين الأشقياء، أو الغافلين والأبرياء، ورجال الأمن الأوفياء، هي في الواقع نتيجة للحشد الثقافي الهائل من الخطب الرنانة في المساجد والمنابر ووسائل التواصل الاجتماعي التي ملئت حقدا حتى طفح كيلها، وتطاير شررها وأصاب المسيء والبريء نصيبه منها، كنا نسمع دعاة الشر الذين يتمسحون بمسوح الوعظ فنغض الطرف عما يقولون، ونسكت عما يصفون. بعد أن رأينا نتائج التحريض وأثرها علينا وعلى أمننا واستقرارنا ومستقبل أجيالنا هل يصح أن نسكت وأن نجامل دعاة الكراهية وأهل الفتنة. الجواب إنه آثم كل من سمع دعوة للشر وسكت عنها مهما كان قائلها. إذا أردنا الأمن والسلام لأنفسنا ولوطننا واجتماع كلمتنا فعلينا رد خطاب الغلاة في الدين والغلاة في التنكير والتكفير ودحض حججهم وتزييف باطلهم وعدم السكوت عنهم مهما كان شأنهم وموقعهم.