مكة أون لاين - السعودية من يقرأ التاريخ سيرى أول صورة للعرب في نظر الآخر، مبنية بيراع المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت الذي تنقل في بقاع الأرض وعكس صورا عن شعوبها، رغم انشغاله الرئيس بحقبة الصراع الدموي بين الفرس والإغريق. لكن وقوع العرب في المنتصف بين الدولتين جعله يكتب عنهم بشفافية، وقد أنتج الصورة الأولى عن العرب في ملمح إيجابي لم يتكرر، وهو ملمح لم يحظ به غيرهم من الشعوب التي كتب عنها هذا المؤرخ. كانت كتابة هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد عن جزيرة العرب أولى التمثيلات الصورية الإيجابية للعرب في الثقافة الغربية، إذ رآهم أمة تحفظ العهود والمواثيق وتقدسها، وعدّهم من الأمم التي لم تخضع لغيرهم، ومن ذلك قوله: «وهكذا أصبح داريوس ملكا على فارس، وبفضل فتوحات قورش وقمبيز، ودانت له كل شعوب آسيا بالولاء باستثناء العرب الذين لم يدخلوا في طاعة الفرس، ولم يدينوا لهم بالولاء بوصفهم تابعين أو أرقاء، بل أصبحوا لهم أصدقاء». تبدو أهمية هذه الصورة الموغلة في العتاقة في جوانب منها: أولا في كونها تخالف تماما تجربة بناء الصورة عن العرب لدى الآخر الغربي، فجاءت صورة إيجابية مادحة، غير مذلة ولا قادحة، وتأتي أهميتها ثانيا في كونها الصورة الأولى التي سجلها التاريخ عن هذه الأمة منذ أقدم العصور، أما ثالثا فتأتي أهميتها من كونها كتبت من مؤرخ مؤسس أطلق عليه «أبو التاريخ»، وقد كتبها من خلال مشاهداته وروايات الآخرين له. وأخيرا فإن مسار الأهمية يصل إلى جانب يتصل بموقع العرب آنذاك، إذ كانت الصورة المشار إليها لأمة العرب التي لم تدخل حقل المنافسة بعد مع الأمم الأخرى، ومن ثمّ كانت مصداقيتها نابعة من حقل الحياد الذي نمت فيه، إذ كان المؤرخ مشغولا بوقائع تاريخية، وتسجيل حروب لأمتين متنافستين، لكنه لم يتوقف عن ذكر الأمم المهزومة. لقد استمر تأثير تلك الصورة الإيجابية زمنا ليس بالقصير، وما إن دخل العرب حقل المنافسة مع الأمم الأخرى حتى بدأت الصور تُبنى في اتجاه سلبي، وذلك مع تدوين التوراة، حيث أدخلت صورة العربي قاطع الطريق في إحدى الفقرات، وكان لها قوتها لورودها في نص ديني، إلى جانب كون صورة هيرودوت لم تكن شائعة كشيوعها، ومن ثمّ كان لانتشار اليهودية خارج آسيا أثره في ترسيخ الصور السلبية المولدة لذلك، فجاءت على سبيل المثال: مفردة (ساراسين)، التي فسرت بكونها تعني (سارا قين) أي (عبيد سارة)، أو (سارقين) كما يشير إلى ذلك المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام». وترسخت تلك الصور من خلال حروب استمرت قرونا طويلة بين العرب والأوروبيين. إن خلق الصور السلبية عن أمة ما لا يصنعه ما ينتجه أبناؤها فحسب، بل يستمد ذلك الخلق قوته من مصدر الكراهية التي تقضي على الحياد، وتضخم السلبية، وتعيش من التنافس، ولذا فإن أي وسم معلن أو خفي بالكراهية للآخر سيظل مفتاحا منتجا لتلك الصور السلبية البائسة.