الاقتصادية - السعودية .. وراء ما يحصل لشبابنا في قضايا العمل الإرهابي عنصر لو انتبهنا له جيدا، كما أزعم على الأقل، لكان حلا من الجذور لظاهرة توجه بعض الشباب للعمل الخاطئ.. وربما كفينا أنفسنا العمليات العسكرية، التي ستولد نتيجة مماثلة .. مع الأسف! أعني اللذّة! دعوني أجعل الأمر واضحا، خصوصا للجهات الأمنية، وكذلك الجهات المعنية بمكافحة الفساد هناك قول مهم قاله فيلسوف ألمانيا الكبير "كَنْت" Kant، ويبدو أننا، أعاننا الله على مشقة الفلسفة والفكر الألماني، سنتعرض في هذا المقال لأكثر من رأي وفيلسوف ألماني. "كَنْت" يقول: "إن ما يميز الفضيلة على وجه التحديد أنها شيء يكلفنا الكثير، دون أن نكسب من ورائها شيئا.. إلا النزر اليسير". وهنا يكون الفساد سعيا نحو اللذة، التخلص من عبء الفضيلة والتوجه للذة عن طريق العمل الحرام فيبدأ الفاسد بمبلغ أو عمل صغير ثم يزداد النهَم، ومع كل ازدياد تنعمي البصيرة وتتلاشى خلايا الحكمة، ويتعاظم مولد الجشع الداخلي وعدم الاكتفاء، لأن اللذة كما يقول أرسطو: "تملك من قوة الإقناع وسحر التأثير ما يعجز عن الرد عليه أي منطق عقلي". ولما تكلم الألماني "ماكس شيلر" عن الألم واللذة قال شيئا بالغ الأهمية، وهو: "إننا نهرب من الألم لأنه موجود حولنا يطاردنا ويلاحقنا، ومن طبيعة اللذة أن تهرب منا كالطريدة فنلاحقها، ولا نقف عن الملاحقة متى اصطدناها.. نريد طريدة أكبر!". إن الشباب الذي يذهبون للقتال، اللذة دافعهم الأول، بل إن "داعش" و"القاعدة" و"الحوثي" وغيرها إنما جري وراء اللذة، لذة النعيم، أو لذة الدم، أو لذة المغامرة، أو لذة التفوق، أو حتى لذة سادية في التلذذ بإيلام الآخرين كما نراه بالتلذذ في نحر الرهائن. كلها عربات تجري على صفيح ساخن هي اللذة. ثم إن اللذة ليست شيئا معينا، هي حالة.. هي ظروف تتغير، لذا يأتي مع اللذة شيء خطير جدا، هو السأم، أو الملل. كيف؟ لنأخذ مدخنا فهو إنما دخن بحثا عن اللذة، وهنا إفصاح جلي عن قوة اللذة، فالمدخن غالبا يعرف الضرر المريع وراء التدخين فيستمر طلبا للذة، بل هناك أطباء من المدخنين العتاة. ثم يسأم السيجارة ولا تكفيه وتتبخر اللذة فيذهب للمسكر، فلا يكفي، فيذهب سعيا وراء اللذة التي تملك سحرا إلى المخدرات.. ثم الضياع. إن معالجة الأمر تبدأ بمعرفة السبب، وأنا بحدودي الإدراكية، أرى اللذة هي السبب الأول، ثم تأتي كل التفسيرات والدوافع. وسيأتي من يسأل السؤال المهم: "ما الذي يجعل اللذة أمرا شريرا (فهناك لذات مباحة) فأقول: إنه الملل! لما تكون البيئة أو المكان فيه سأم وملل، ويخلو من الفكر الإبداعي الذي يسخر اللذة المنتجة، يكون التوجه طبيعيا بطاقات الشباب إلى التخلص من الملل بحثا عن اللذة.. التخلص هذا هو ما كلفنا كثيرا، وسيكلفنا أكثر إن لم ننتبه. هناك حلول كثيرة لتجفيف السأم مبعث البحث عن اللذة كتحريك طاقات الشباب إما باللذة النافعة، وإما بملء الوقت وثورة الهرمونات بالمعسكرات التدريبية المنظمة، أو التجنيد. وهذه الحلول غيض من فيض. المهم التشخيص الصحيح.