المدينة - السعودية "الرسالة لجميع أولئك هي.. أن من يصنع الوحوش أو يغذيها أو يغض الطرف عنها اليوم لمصالح وقتية أو مخططات مشبوهة سيكون هو ضحاياها غداً، وهذا ما أثبتته كل تجارب الماضي القريب." لم تكن كلمة خادم الحرمين الشريفين مجرد تحذير من الإرهاب وخطورته، كما أنها لم تكن مجرد نصرة ودعم لضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، ولكنها كانت بالإضافة إلى ذلك رسالة تحذير لكل من كانت له يد أو أصابع خفية في الوضع المشتعل الذي وصلت إليه المنطقة العربية اليوم، أو ساهم في إذكاء ذلك الاشتعال بتخاذله وتردده.. رسالة بمثابة الجرس لكل أولئك الذين تم خداعهم والتغرير بهم لإيقاظهم وتعريفهم بحقيقة أن ما تمر به المنطقة ليس أمراً عفوياً أو تلقائياً ولكنه حصاد مخططات شيطانية تهدف إلى تمزيق العالم العربي وتفتيته. مخططات أسفرت للأسف الشديد عن دمار لم يسبق له مثيل في دول عربية عديدة وإزهاقٍ لأرواح آلاف الأبرياء وتغولٍ للإرهاب الذي انتشر كالسرطان بأشكال عديدة اختلفت في أسمائها واتفقت في توظيفها ظلماً وجوراً للدين الإسلامي لتبرير ممارساتها الإجرامية، والإسلام منها براء. لقد أشارت كلمة خادم الحرمين الشريفين إلى ماهية الإرهاب، والى القائمين عليه، والى الأدوات المنفذة له، إضافة الى أولئك الصامتين المتخاذلين عن القيام بدورهم تجاه التصدي له. حيث وصفت الإرهاب بأنه "أصبح يأخذ أشكالاً مختلفة كالجماعات والمنظمات الإرهابية" التي ظهر معظمها ونما بشكل مريب سواء في فُجَاءَة وتوقيت نشأته أو في الامكانات المادية والتنظيمية التي يملكها أو الجهات التي يستهدفها بعملياته الإرهابية. هذه الجماعات والمنظمات ترتدي عباءة الدين وتمارس القتل والبطش والدسائس باسمه، ووصفتهم الكلمة بأنهم "يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب". أما القائمون على الإرهاب فهم من تمت تسميتهم ب "أصحاب المخططات المشبوهة".. وجميعنا يعلم بأن المخططات والاستراتيجيات الهادفة لتقسيم المنطقة وتفتيتها لم تعد سراً يخفى على أحد، وما الدعم الأمريكي الأخير لجماعة الإخوان سوى أحد أشكال تلك المخططات، ناهيك عن غض الطرف المريب عن ولادة وتسمين جماعات كداعش والنصرة، وهي جماعات ما كانت ستخرج للوجود لولا السياسات الأمريكية في سوريا والعراق. هذه المخططات تحدث عنها صراحة الإعلام الأمريكي نفسه، ومن ذلك تقارير نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" ومجلة "تايم" ذكرت فيها بأن الشرق الأوسط في طريقه اليوم نحو "سايكس بيكو" جديد يتناسب مع المتغيرات الراهنة ومتطلباتها، ويعتمد على الإرهاب كأحد أدواته، إضافة الى استخدام استراتيجية "انقل المعركة الى أرضهم" أي اجعلهم يتقاتلون فيما بينهم لتتحقق لك السيطرة وتأمن شرهم. المخططات الأجنبية المشبوهة توجد لها بطبيعة الحال "أدوات" متعددة من دول إقليمية تلعب دور الحاضن الممول بغير حساب، أو الفزاعة المتحفزة دوماً للانقضاض، إلى الجماعات والمنظمات الإرهابية المتطرفة التي تكون بمثابة الزيت الذي يتم صبه لإشعال نيران العداء الطائفي باعتباره -في المنطقة- الديناميت الجاهز دوماً للاشتعال والانفجار. أما الجوائز المخصصة لتلك "الأدوات" فقد تم تصميمها بعناية ودهاء لتحقق لكلٍ "أداة" رغباتها وأحلامها.. فهناك الوعود بالسلطة، أو بالقرب وحظوة التأثير الإقليمي، أو بكف الأذى والحصار، أو حتى باستخدام أوتار الطموحات الدينية وجعلها سراباً يطارده البعض فيحرقون الأخضر واليابس لنيله وهو مجرد وهم لن يسمحوا لهم يوماً بتحقيقه. دول عربية تم حرقها وتدميرها واحدة تلو الأخرى بذات الطرق ونجا بعضها بأعجوبة، ومع ذلك يوجد منا من لا يريد أن يتعلم أو يعتبر! الإرهاب كما سلط الضوء عليه خادم الحرمين الشريفين لا يقتصر على الجماعات والمنظمات، بل ان إرهاب الدولة هو أخطرها وأشدها فتكاً وتدميراً. فهاهو الإرهاب الإسرائيلي يرتكب أشنع أنواع المجازر الجماعية وجرائم الحرب ضد الإنسانية على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته. مذكراً ذلك المجتمع بدعوة المملكة منذ عشر سنوات في مؤتمر الرياض إلى إنشاء ( المركز الدولي لمكافحة الإرهاب )، والتي حظيت حينها بتأييد العالم أجمع، وذلك بهدف التنسيق الأمثل بين الدول للتصدي للارهاب، وخيبة الأمل التي تلت ذلك بسبب عدم التفاعل بشكل جدي مع هذه الفكرة، الأمر الذي أدى لعدم تفعيلها بالشكل المأمول. ونظراً لأن جزءاً كبيراً من كوارث العالم العربي والإسلامي ما كانت ستحدث لولا تقصير علماء الدين المسلمين في أدائهم لواجبهم بنشر الدين الإسلامي المعتدل القائم على الرحمة والتسامح والبعيد عن التطرف، فقد تضمنت الكلمة دعوة لهؤلاء العلماء بشكل واضح وصريح لتحمل مسؤولياتهم بهذا الشأن. باختصار فإن الرسالة كما لم يسمعها جميع أولئك من قبل هي.. نحن نراكم ونعرف نواياكم، وتحذيرنا لكم ولأدواتكم أننا متيقظون لكل مخططاتكم. الرسالة لجميع أولئك هي.. ان من يصنع الوحوش أو يغذيها أو يغض الطرف عنها اليوم لمصالح وقتية أو مخططات مشبوهة سيكون هو أول ضحاياها غداً، وهذا ما أثبتته كل تجارب الماضي القريب. الرسالة لجميع أولئك هي.. إن صمت المجتمع الدولي على الإرهاب الإسرائيلي لن يجلب لها الأمان، ولكنه سيخلق أجيالاً جديدة يائسة لا تؤمن بغير العنف ورفض السلام وصراع الحضارات.