الحياة - دولي في السعودية لا حاجة للترفيه ما وجدت مجموعات تنثر ابتكاراتها وتفاجئ الجميع بتأويلات وتفسيرات غير مسبوقة لتصنع متعة باقية قاتلة للملل والرتابة، ومحدثة دوامة تفاعل بعيداً عن مضمون الفعل، لأن دائرة المسرح هي الإدهاش أولاً وثانياً وثالثاً. أدهشنا الشيخ الدكتور الداعية محمد العريفي حين حدد، بحسب تسجيل له، أن الطائفة المنصورة في الحديث الشريف هم «حماس»، التي يترأسها خالد مشعل من دون سواها، حتى إن حماس أحمد ياسين قد تكون خارج المصطلح، وإنها بذلك ليست حزباً سياسياً ينتمي إلى الإخوان، لكنها البشارة والخاتمة. ويبدو أن «حماسه» ل«تويتر» والانسياق إليه هو سبب هذه الفتوى على أمل أن يتغذى على «حماس» الجماهير وتغريداتهم، علماً بأن كثيراً من أهل غزة لا يستطيعون، عملياً، إضافته وربما هم ضد نشاطات «حماس» التي قلّصت عوائلهم وأسكنتهم الشارع. لم تجئ الدهشة من قفزة العريفي، فله في هذا الشأن سوابق كثيرة، إنما مصدرها الاتكاء على الجزء الضعيف والمنكر من الحديث، واعتماده أساساً في التأويل المتطلع إلى إغواء الجماهير والانتشاء بانجذابهم ودخول المزاد بطريقة فريدة. لا أريد أن أقع في خطأ العريفي، فأغرق في مجال لا أفقه فيه، إلا أن البحث السريع يبيّن أن أهل العلم اختلفوا حول هذا الحديث، وقد ضعفه الألباني، ويرى آخرون أن الحديث جزءان، أولهما صحيح، وثانيهما ضعيف ومنكر، وقد سبق للشيخ العلامة صالح الفوزان، قبل عشر سنوات، أن حدد الطائفة المنصورة بالثابتين على الحق، لكننا لن نلجأ إلى ذلك، بل سنحيل العريفي إلى شيخه سلمان العودة الذي سئل عن حديث الطائفة المنصورة، هل ينطبق على مجاهدي فلسطين؟ فأجاب: الحديث المذكور رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/298) والطبراني في معجمه الكبير (2/317) وغيرهم من طريق عباد بن عباد، أبي عتبة، عن أبي زرعة، عن أبي وعلة شيخ من عك، عن كريب عن مرة بن كعب البهزي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» قلنا: يا رسول الله: وأين هم؟ قال: «بأكناف: بيت المقدس» وسنده ضعيف. فيه زكريا بن نافع الأرسوفي الراوي عن عباد، وفيه جهالة، وقد توبع. وفيه أبو وعلة العكي، وهو مجهول أيضاً. هذا ما يقوله مؤلف كتاب «أسئلة الثورة»، لأنه لا يجازف بالأحاديث ولا يتلاعب بها، لكننا في زمن طغى فيه الترويج والاستئثار بالتأويل والشرح، حتى غدا الإسلام ممزقاً بين الجماعات التي تعيد تركيبه كيف ما شاءت وبحسب ما يخدم أغراضها ويزور حقيقتها. كان الظن أن العريفي يتحرى الحديث ويتثبت منه، خصوصاً أن تخريج الأحاديث متاح للعامة عبر «غوغل» ولو فعل ذلك، حرصاً على الدعوة وترسيخاً للثقة، لعرف أن تثبيت الجزء الأخير ينبع من الجماهيرية والنجومية، وليس من العلم الصحيح الذي يطلبه الناس ويقصدون «المشائخ» لأجله. العريفي سبقه كثيرون آخرهم «داعش» بإعلان أنهم الطائفة المنصورة، لكن العريفي أراد أن يدخل دائرة الضوء في ظل هذا الازدحام الجماهيري على الترويج ل«حماس» فأدخلها بديلاً عن أختها مبرهناً على براعته المسرحية، ومهارته في استجلاب الضوء، وإن نحى بعيداً عنه. هذا الحديث تستخدمه كل جماعة إرهابية لأجل ادعاء سلامة منهجها وأنها المحجة البيضاء، والمؤكد أن العريفي لا يوالي هذه الجماعات ولا يساندها، خصوصاً أنه أنكر أية علاقة بجماعة الإخوان المسلمين. ابشروا يا «حماس» بالنصر، فلن يضيركم خذلان عملاء الطواغيت المنكرين لفضلكم، غيرة وحسداً وجهالة، فأنتم الجماعة الوحيدة النقية، فما بعد شهادة العريفي شهادة جمعكم الله به في غزة سريعاً حتى لا يخرج من الطائفة المنصورة التي لا تظهر في الرياض أو تستقر بها! [email protected] للكاتب