مكة أون لاين - السعودية العقل يقول إن الألمان هم أبطال كأس العالم البارحة، رغم أن كرة القدم بلا عقل أحيانا. ولكن دعوني أصر على العقل هذه المرة كنوع من المغامرة، وأفترض أنهم فعلوها أمس بناء على معطيات فنية تقول بأنهم كانوا أقرب من الأرجنتين. بل وحتى لو خسروا، يظل الألمان متفردين عن غيرهم بميزة أراها لا تتوفر في أي منتخب يلعب كرة القدم على سطح كوكبنا، ألا وهي الثبات في المستوى وعدم القبول بمنطق المفاجآت الكبرى والتاريخ شاهد. الكرة الألمانية لا تخرج من الأدوار التمهيدية لكأس العالم، ولا من الدور الأول ولا حتى من دوري الستة عشر. هي تتنحى من دور الثمانية أو الأربعة أو النهائي. تخرج من البرازيل أو الأرجنتين أو إيطاليا أو هولندا أو إسبانيا. لا تسقط إطلاقا أمام فريق ضعيف أو متوسط كالجزائر ولو تعبت قليلا، وحين تهزم فهي تخسر من منتخب قوي وبفارق ضئيل وبصعوبة. من يهزمها في العادة هو بطل الدورة، أو منتخب مرشح قبل المباراة للفوز. ومن النادر أن تكون ألمانيا هي الطرف المرشح وهي الخاسر معا في نفس اليوم. المنتخبات التي تقدم مستوى متميزا في كأس العالم ويطلق عليهم (الحصان الأسود) هم كذلك حتى يأتي يوم سوء حظهم ويواجهوا الماكينات، فتلك هي نهاية المغامرة الشجاعة. كوريا تفعلها أمام إسبانيا وإيطاليا ولكنها لا تجرؤ على المانشافت. فرنسا في 82 والمغرب في 86 وبلغاريا والجزائر وغيرهم، أحلامهم الكبيرة لا بد أن تنتهي على حدود جرمانيا. الثبات الدائم يدل على تنشئة مختلفة للإنسان الألماني، على العمل الذي يرفض كل نظريات المزاج المتعكر والشغل (من دون نفس)، ولعمري هو واقع عايشناه طويلا في رحلتنا الكروية مع هذا الشعب الآري الصلد. وحتى تلك الجماعات التركية والعربية والأفريقية التي هاجرت إلى أرضهم فإنها تطبعت بهم ولم يطبعوها. أحب كرة التانجو، وميسي ومارادونا، وأفضلهم كمنتخب وككرة رشيقة، لكن ألمانيا تستحق أكثر في هذه البطولة، حقا أتمناها حاملة للقب.