مكة أون لاين - السعودية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا علاقة لها بأمر تنظيم إغلاق المحلات وقت الصلاة، فالهيئة جهاز من أجهزة الدولة، وهي تنفذ ما لديها من تعليمات وأنظمة من الدولة، وهيئة كبار العلماء وجهاز الإفتاء، لا علاقة لهما بإغلاق المحلات وقت الصلاة فهما جهازان يعرفان مهمتهما، ومهمتهما الفتوى، والفتوى تعني اجتهادا، هذا الاجتهاد قد يقبل أو يرفض، وقبوله أو رفضه مرهون بمن يملك القرار في الأمور الاجتهادية، وهو ولي الأمر. زرت كثيرا من الدول في هذه الأرض، ومعظم ما زرت منها دول إسلامية، وفي هذه الدول مساجد مفتوحة للمصلين طوال اليوم، وليس فيها هيئة تسوق الناس للصلاة بالعصا، ولا بالنظام، ومع هذا فالمساجد مكتظة بالمصلين والمصليات - وأقول المصليات لأن زوجتي - كانت معي في كثير من هذه الزيارات وشاهدت ما شاهدت، بينما في مساجدنا لا اكتظاظ إلا في صلاة الجمعة، أما بقية الفروض فتكاد تكون المساجد خاوية، بعكس ما هي عليه في مصر أو تركيا أو دبي أو أبو ظبي أو ماليزيا، وقد عددت البلدان التي أعرفها وصليت في مساجدها فروضا عديدة، وهي في دول ليس فيها هيئة تسوط الناس وتجبرهم على التوجه إلى المساجد، وإنما هم مقبلون على مساجدهم عقيدة وقناعة، وهي مساجد أرقى وأنظف من مساجدنا بكل خدماتها التي نتوهم أحيانا أنها راقية. الإسلام دين ودنيا، الدين عبادة تخصك، أما الدنيا فنظام يتعلق بالخلق حولك، ولذلك لا تخلط الدنيا ببلاويها بالدين بقدسيته، دع الدين لله - بينك وبينه - ودع الدنيا للجميع وفق آلياتها وأنظمتها الدنيوية. قرار غلق المحلات وقت الصلاة، قرار دولة، وليس قرار هيئة ولا دين ولا مذهب ولا عالم ولا فقه ولا فئة، والدولة اختارت الإغلاق في وقت الصلاة وجندت لتنفيذ الأمر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الهيئة تنفذ أمر ونظام الدولة، ولا تنفذ أمر الله بموجب نص ولا اجتهاد، ولا قياس، فلم يعهد في تاريخ الأمة الإسلامية أن أحدا أغلق محله التجاري من أجل الصلاة، لأن الأمة كلها ترى أن الصلاة أعظم من أن نجبر الناس عليها. هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - في نظري -؛ لا دور لها مطلقا في إجبار وإرغام الناس على العبادات، وإنما دورها الحقيقي في الحفاظ على الأخلاق والآداب العامة، فهي تعتبر شرطة آداب، وعلى ذلك فهي سلطة بين العبد والعبد، وليست سلطة بين العبد وربه، والهيئة وجميع منسوبيها يعرفون أنهم ليسوا وسطاء بيننا وبين الله، لكن ماذا يفعلون غير تنفيذ الأوامر التي تأتيهم من الدولة، ولهذا فإن هذا الأمر - أقصد غلق المحلات وقت الصلاة - تنظيم يخص مجلس الوزراء بصفته السلطة التشريعية في البلاد، وهو الجهة التي يمكنها إعادة النظر في هذا التنظيم مستعينة بمجلس الشورى وهيئة الخبراء، فإن رأت بعد الدراسة والبحث صلاحية التنظيم القائم فليستمر، وإن رأت أنه تنظيم لا أصل له ولا يصلح فهي الجهة الوحيدة القادرة على إلغائه، وما على بقية الأجهزة سوى التنفيذ، ولن تجد له أي معارض، فهو تنظيم لا يختلف عن تنظيم الإجازة الأسبوعية التي ظلت ردحا من الزمن موضوعا لنقاشات فقهية، وميدانا للتحليل والتحريم مع أن الأمر لم يكن له علاقة مطلقا بالفقه الشرعي وإنما هو من مصالح الدنيا وتنظيماتها، وحين صدر أمر الدولة بتنظيم الإجازة الأسبوعية عرف الجميع واقتنعوا أن الأمر تنظيمي بحت، ومن حق الدولة بل من واجبها أن تتخذ ما يصلح لدنيا الناس، ومثل هذا ما يدور الآن من جدل حول إغلاق المحلات وقت الصلاة، فهو جدل لا مكان له لأن الأمر تنظيم دنيوي لا علاقة له بالحلال والحرام، وإنما علاقته بمصالح الناس الدنيوية، أما دينهم وصلاتهم فقد كانت مصانة وقائمة قبل فرض هذا التنظيم منذ عقود قليلة، وستبقى مصانة وقائمة بعد إلغائه، حيث إن الدين والصلاة علاقة بين العبد وربه، وهذا واضح في كل بلدان الدنيا المسلمة وغير المسلمة، فليس هناك أحد يجبر الناس على الصلاة ومع ذلك فهم محافظون عليها، ولم يجدوا تعارضا بين الحفاظ عليها، وبين مصالحهم الدنيوية، فأسواقهم مفتوحة ومساجدهم مفتوحة، وطبيعي أن يكون المصلي اختيارا أكثر حرصاً من المصلي إجبارا أو خوفا، وهذه مسألة فيما أعتقد مفروغ منها، ولهذا قلت إن إغلاق المحلات من عدمه في أوقات الصلاة أمر تنظيمي يخص مجلس الوزراء وليس غيره.