مال - السعودية كلمه الواسطة قد تكون من أكثر الكلمات شيوعا في المجتمع السعودي، ويكثر استخدامها عند الاعلان عن وظائف أو مقاعد جامعية أو حتى في المنافسات والمشاريع التجارية. كما يكثر استخدام كلمه الواسطة أيضا عندما نري أشخاص (من عوائل غنيه أو معروفه) تميزوا في أعمالهم التجارية. لكن هل بالفعل أن انتشار الواسطة هو السبب الوحيد وراء حصول هؤلاء على الفرص؟ هل هناك أسباب هيكليه تجعل هذا التفضيل منطقي؟ سأجيب على هذا التساؤل من خلال ترجمه ونقل بعض الأمثلة التي وردت بكتاب أوتلايرز (المتميزون) للمؤلف مالكوم قالدويل. تميز كتاب (المتميزون) بمحاوله تفسير كيفية تكوين وظهور الأشخاص المتميزين وذلك من خلال الغوص في بعض تفاصيل حياتهم، والفرص التي سنحت لهم والتي ساعدت في بروزهم ونجاحهم. حيث يحاول مالكوم في كتابه أوتلايرز أن يجيب على التساؤل التالي: هل تؤثر أو تحدد خلفياتنا الثقافية، وموروثاتنا الاجتماعية، والبيئة التي تربينا فيها على ما مستقبلنا؟ وهل لو تغيرت بعض الظروف أو وقعت بشكل مختلف تغير حالنا وواقعنا اليوم. في النقاط التالية سأحاول أن أعرض أمثله ذكرت في كتاب (المتميزون) للإجابة على التساؤل أعلاه: أولا: تعتبر قرية روستو من القري الصغيرة في ولاية بنسلفانيا، وعلى الرغم من أن أهلها من المهاجرين الطليان، إلا أنهم يتميزون بصحه عالية حتى أن نسبه النوبات القلبية لدي كبار السن تكاد تكون معدومة. قد يتبادر للذهن أن ذلك يعود للوجبات الغذائية الصحية التي يأكلونها أو لأجل التمارين الرياضية التي يتبعونها لكن تبين أنهم يكثرون من البيتزا والباستا والمأكولات ذات السعرات الحرارية العالية، كما أن كثير منهم من أصحاب الأوزان الثقيلة. يبرز السر من خلال مراقبه حياه أهل روستو، حيث أنهم يختلفون عن باقي القري والمدن الأمريكية بطريقه ونمط الحياة. أهل روستو يزورون بعض بشكل متكرر، يتوقفون للحديث بلغتهم الأم في الشوارع، يطبخون الأكل لأنفسهم ولجيرانهم، بل قد تجد الأبناء وابناء الابناء يعيشون في نفس المنزل. كما يتميز أهل روستو بمساعده بعضهم البعض وتشجيع بعضهم البعض للنجاح. قد يكون العيش في روستو أعطي الفرصة لأهلها بالتمتع بصحه جيده وتجنب النوبات القلبية المفاجئة حتى بعد بلوغ سن الخامسة والستين، هذه الفرصة لم تتح لأناس عاشوا في مدن أخري وربما تعرضوا لنوبات قلبية مبكرة، أو مشكلات صحية. ثانيا: يعتبر بل جوي من أبرز العقول في عالم الكمبيوتر والبرمجة حيث ألف لغة جافا وهو مؤسس شركه سن مايكروسيستم المعروفة. تلقي بل جوي تعليمه في جامعه ميشجان آن اربر الشهيرة. ترى ما الذي دفع بل جوي ليكون واحد من أكثر الناس تأثيرا في عالم الكمبيوتر كما يقول عنه دكتور دافيد قلنر من جامعه ييل؟ هل هو جهده الشخصي فقط؟ أم هناك أسباب أخري. في عام 1971 افتتحت جامعه ميشجان آن اربر مركزا للحاسب الآلي، وهي نفس السنة التي أتي بها بل جوي للجامعة حيث تم التصويت في ثانويه نورث فارمينقتون بدترويت ميشجان بأنه من أكثر الطلاب جديه بالدراسة. كان عمره حينذاك 16 عاما وكان يفكر بالالتحاق بقسم البيولوجي أو الرياضيات. في نهاية سنته الأولي من الدراسة الجامعية، تعرف بل جوي على مركز الحاسب الآلي وتعلق قلبه بالكمبيوتر والبرمجة منذ تلك اللحظة. أصبح يقضي الساعات الطويلة بمركز الكمبيوتر ليبرمج. ومن حسن حظه، عرض عليه أحد الدكاترة العمل في الصيف في البرمجة. التحق بل جوي بجامعه كليفورنيا بيركلي بعد أن انهي دراسة البكالوريوس للدراسات العليا وهناك تعمق أكثر في البرمجة وبرامج الكمبيوتر. ليس هناك شك بأن لدي بل جوي القدرة والرغبة في التعلم، لكن هل يا ترى ساعدته بعض الفرص التي عرضت له في طريقه؟ ثالثا: كل انجاز وتميز يحتاج لجهد ووقت وتمرين كبير. الفرص والامتيازات وحدها لا تكفي لجعلك متميزا. العمل الجاد والمستمر يجعلك خبيرا في مجال عملك ومتميزا. لكي تكون خبيرا ومتمكنا في مجال ما، تحتاج الي ممارسته والتدرب عليه على الاقل 10 الاف ساعة. لكن ليس كل طفل أو شاب يستطيع أن يحصل على تدريب وممارسه على مهاره معينه في سن مبكرة. لأن قضاء هذا الوقت الكبير لتطوير مهاره معينه يتطلب غالبا أن تكون من عائله غنيه أو قادره على تلبيه احتياجاتك، أو واعيه على الاقل. التدريب المستمر على مهاره معينه قد يفعل الاعاجيب، على سبيل المثال: نسمع كثيرا بقصه بيل جيتس أغني رجل على مستوي العالم لعده سنوات ومؤسس شركه مايكروسوفت. ما يعرفه الجميع عن بيل جيتس أنه كان شاب ذكي، دخل هارفرد وانسحب منها ليؤسس شركته مايكروسوفت التي اصبحت من أكبر الشركات وأكثرها تأثيرا في العالم. لكن الذي لا يعرفه الكثير عن بيل جيتس أنه من عائله ثريه، حيث أن أباه من المحامين المعروفين في سياتل، وأمه هي ابنه أحد رجالات البنوك المعروفين في سياتل. درس بيل جيتس في مدرسه ليكرسايد الخاصة من المستوي السابع (الأول متوسط)، حيث يدرس في هذه المدرسة ابناء العوائل المقتدرة. في السنة الثانية من تواجد بيل جيتس في ليكرسايد، افتتحت المدرسة مركز للحاسب الآلي بعد جمع تبرعات لأمهات الطلبة حيث يستطيعون طلاب المرحلة المتوسطة التعلم على البرمجة في الوقت الذي لا يوجد مركز للحاسب الآلي في أغلب جامعات الأمريكية. وقع بيل جيتس في حب مركز الكمبيوتر من أول لحظه هو وبعض أصحابه، وأصبح يقضي أوقات طويله في المركز. بل قد يتغيب احيانا عن ماده الرياضة من أجل الجلوس في مركز الكمبيوتر. في صيف ذلك العام، اكتشف بيل جيتس وصديقه بول آلن أن هناك معمل للكمبيوتر في جامعه واشنطن يفتح لمده 24 ساعة غير أنه مشغول في غالب الوقت ماعدا بين الساعة الثالثة والخامسة صباحاً وأصبح يتردد بشكل يومي على المعمل من أجل أن يمارس هوايته المفضلة. عندما أصبح بيل جيتس في سن الجامعة، كان قد أمضي ما يقارب من خمس سنوات من البرمجة والتعلم على الكمبيوتر، وكان قد أمضي ما يزيد عن 10 آلاف ساعة لتدريب وتطوير مهاراته. وعندما انسحب بيل جيتس من هارفرد لينشأ شركته مايكروسوفت، كان يملك مهاره وخبره غير متوفرة لكثير من الناس في ذلك الوقت. يا تري هل لو عاش بيل جيتس في عائله غير مقتدرة لدرس في مدرسه ليكرسايد؟ أو ماذا لو لم تفتتح المدرسة مركز للكمبيوتر؟ هل سيبني بيل جيتس مايكروسوفت؟ أو هل سيستطيع أن ينسحب من هارفرد ان لم يكن مكتسبا هذه الخبرة الكبيرة؟ رابعا: يتميز بعض الطلاب بأنهم يستطيعون التواصل بشكل فعال مع المعلمين ويتفاعلون بشكل ايجابي مع بيئتهم المدرسية، بحيث من الممكن أن يطلبوا بعض الطلبات التي تناسب حاجاتهم، وتزيد من مدي استيعابهم. في الجانب الآخر يواجه الطلاب صعوبات في التواصل الواضح مع معلميهم، ولا يستطيعون التفاعل بشكل فعال مع بيئتهم المدرسية، وقد يخشون من سؤال بعض الطلبات وربما ادي ذلك للحد من حتى تلبيه بعض حاجاتهم الأساسية ومن ثم تقليص استفادتهم التعليمية. قد يكون هذا طبيعيا للوهلة الأولي، لكن ليس عندما تعلم أن غالبيه النوع الأول هم من ابناء العوائل الطبقة المقتدرة والغنية، في حين أن ابناء الطبقة العاملة والفقيرة هم غالب من يشكل النوع الثاني من الطلاب. لذلك فإن الفرص التي يحصل عليها ابناء الطبقة المقتدرة في التعليم أو اهتمام المعلمين قد تكون أكبر من الطبقة العاملة. بعد هذه الأمثلة نستطيع الرجوع للسؤال في مقدمه المقال: هل الواسطة تستطيع انجاح عملك التجاري؟ وللإجابة على هذا التساؤل فإنني أقول أولا أنه لا أحد يستطيع أن ينكر وجود الواسطة أو حتى تفشيها في المجتمع، لكن أحاول من خلال استعراضي لهذه الأمثلة أن أقول إن هناك أسباب أخري لتميز ابناء العوائل الغنية والمعروفة خاصه في الأعمال التجارية. ابناء العوائل الغنية والمعروفة عاده يتعرضون لفرص مبكرة في حياتهم، ينشأون في بيئة تعرضهم لهذه الفرص والتي يستطيعون من خلالها أن يكتشفوا مواهبهم، كما يخالطون ويشاهدون ويستمعون لقصص ناجحة في التعامل مع الناس وكيفية انهاء الصفقات، وهذه كلها مؤثره جدا في تكوين الشخص الناجح. ولذلك إذا أردنا أن نساهم بزيادة هؤلاء الناجحين علينا أن نصلح ونساهم في تعرض أبناء بقية العوائل لفرص مبكرة في حياتهم من خلال سياسات وبرامج حكومية ومجتمعيه. قد تكون الواسطة مهمه في نقطه ما من حياتك، لكن من أين أتيت؟ في أي مكان ترعرعت؟ ما هي الفرص التي صادفتك؟ من هم الأشخاص الذين قابلتهم؟ كم من الوقت والجهد تقضي لتطوير مهاراتك؟ كلها أسئلة مهمه وقد تكون مصيريه لتحديد من أنت. *باحث في مجال الأعمال alolayana@