الحياة - سعودي ستنتهي الحرب العالمية السورية الأولى مع الانتخابات الرئاسية قريباً، والمرجح أنه ستتبعها حرب ثانية ستختفي فيها واحدة من ثلاث دول مجاورة لسورية: لبنان أو الأردن أو إسرائيل، إذا لم يتم منع أسباب نشوء الحرب الثانية. علّمنا التاريخ أن معظم الحروب تنتهي، لكن يظل بعض أجندتها أو مخرجاتها عالقاً، ولذا تعاود الكرة. بدأت ألمانيا الحرب العالمية الأولى وانتهت في عام 1919، لكن ما لبثت ألمانيا أن أعادت الحرب في 1939 واحتلت بولندا. قاد العراق حرباً على إيران وانتهت في 1988، لكن العراق أعاد الحرب في 1990، واحتل الكويت. قادت أميركا حرباً على العراق وأخرجته من الكويت وانتهت الحرب في 1991، ثم أعادت الحرب في 2003، واحتلت العراق. فما الذي يمنع من تكرار التاريخ وأن تحتل سورية دولة مجاورة؟ الانتخابات السورية على الأبواب، وأكثر الظن أنها ستتم في موعدها مع بعض التنغيصات، وأن الرئيس بشار سيفوز، بصرف النظر عما سيقوله الغرب الذي سيطعن بالتأكيد في نتائج الانتخابات وشرعيتها، كما فُعل في استفتاءات القرم ومناطق أوكرانيا، لكن عندما تكون الاستفتاءات تخدم مصالحه فسيسارع إلى مباركتها ودعمها مثل ما حصل في استفتاء جنوب السودان. لا يهم، ما يهمنا هنا هو سورية المستقبل وليس سورية الأمس أو اليوم. المؤكد أن سورية الغد لن تعود كما عرفناها في الأعوام الماضية ولن يعود الشعب السوري كما كان بطيبته وجماله وأريحيته وجوده وكرمه وثقافته المتجذرة وممارساته المتحضرة، فجرح أعوام التهجير والتشرد والتشرذم والفتنة والقلاقل والتكفير والإرهاب والحرب عميق وشفاؤه بطيء. ستدخل سورية حرباً جديدة ثانية على الصعيد الداخلي في محاور وعناوين كثيرة، لكن أهمها وأصعبها إعادة تأهيل الجيش السوري. وعلى رغم أن إعادة الإعمار ستكون باهضة التكاليف، إذ تصل التقديرات إلى أكثر من نصف تريليون دولار، إلا أن الأعقد هو إعادة تأهيل أفراد الجيش الذي خاض حرباً ضروساً غير تقليدية يعجز عنها أعتى جيوش العالم بسبب طبيعة القتال بين جيش نظامي ومجموعات مفككة تملك سهولة وخفة الحركة، كما اكتسب فرد الجيش السوري خبرة غير مسبوقة لجيش نظامي في العالم. ولذا سيفرح الجيش وأفراده بالنصر، وسينعمون بكثير من المديح، الذي يستحقونه، وسيزين صدور أفراده الكثير من الأوسمة والميداليات. لكن يظل بعد ذلك الجندي بشراً يتنازعه أمران: نقص حياتي مادي، ومزيد من كبرياء وغرور معنوي، وما بين المادي والمعنوي يكمن المشكل ويبرز السؤال لدى الجندي: كيف أتمكن من منع الفناء عن وطني الكبير، وأعجز عن صنع البقاء لوطني الصغير؟ وما بين الفناء والبقاء يأتي دور السياسي الذي يتطلع الجميع إليه، فإذا ضاقت أمامه الخيارات وانعدمت البدائل وتقلصت الوسائل، يبحث عادةً عن ذريعة تُبقي الغرور والكبرياء وتلغي البحث عن الماديات والرفاه لدى الجيش وأفراد الشعب، على حد سواء، ويكون المَخرج الطبيعي والتاريخي حرباً جديدة ومساومات جديدة. أين تكون ساحة المعركة الجديدة؟ أتكون الوجهة لبنان التي شب بعض سياسييها عن الطوق بصرف النظر عما سيقال من مخططات طائفية، أم الأردن بما عليها من ملفات واتهامات وعداء مستحكم بين القومجية العرب والملكيات منذ الخمسينات، مع الأخذ في الاعتبار حنق وتضامن الملكيات العربية، أم إسرائيل، وتكسب سورية تعاطف الشعوب الإسلامية والعربية وتكيد الغرب وتحصل على مساومات تقيها شر الفاقة وتكاليف الإعمار؟ الأكيد أن الحرب السورية الثانية ستكون شاملة تأتي على الأخضر واليابس، وستغير شكل المنطقة السياسي وستبدل المنطق الاستراتيجي. ختاماً، إذا كان العالم يفكر في كيفية التعامل مع الإرهابيين المعتدين العائدين من ساحة القتال إلى أوطانهم الأصلية، فعليه أن يفكر أكثر في كيفية التعامل واحتواء سورية بكل مكوناتها أياً يكن شكل الانتخابات أو من يكون الرئيس أو ماهية النظام، والمساعدة في إعمارها وإعادة تأهيلها قبل فوات الأوان. [email protected]