الحياة - سعودي صدر أخيراً عن وزارة التجارة والصناعة دليل حوكمة الشركات العائلية وميثاقها الاسترشادي، الذي يُنظم الشركات العائلية ويُرسخ عدداً من الآليات والسبل لديمومتها واستمرارها، لاسيما أن الإحصاءات تشير إلى أن 90 في المئة من الشركات في منطقة الخليج العربي شركات تربط الشركاء فيها أواصر عائلية، ما يعنس الحاجة إلى ضبط تلك الشركات قانونياً وإدارياً ومُحاسبياً وتخفيف المخاطر التي قد تحفّها نتيجة الإدارة المستندة إلى العائلة وليس إلى الكفاءة ما سيسهم بالتالي في تشكيل اقتصادٍ مستدام. وليس هدف هذا الدليل هو فقط معالجة المشكلات قبل وقوعها ولا حتى مجرد تفادي حدوثها، بل يهدف في شكلٍ يضاف لكل ما سبق إلى مزيد من النجاح والتقدّم لتلك الشركات واطمئنان المتعاملين معها إلى مستقبلها، سواءً داخل السوق السعودية أم خارجها، خصوصاً في ما يرتبط بشؤون الاستثمار الأجنبي والتعاملات عبر البحار، كل ذلك يأتي بالنظر لما يعرف «بموت المؤسس» داخل هذه الكيانات العائلية ذات الأصول الضخمة، وهذا يعني أنه إذا لم تتم المحافظة عليها وإدارتها كما يجب فربما تتفتت في كيانات صغيرة لا يسعفها أن تواجه السوق، ولا أن تقدم الخدمات ذاتها التي تقدمها الكيانات الكبرى من مثيلتها، فضلاً عن تطوّرها ونمائها بشكلٍ مطرد. هذه الفكرة تحديداً تستهدف تعزيز ورعاية قيم العائلة التجارية وأهدافها مثل استمرار نجاح الشركة ونموها وتعظيم قيمتها، فهي تضمن انتقال الحصص للأجيال الأخرى في الشركة العائلية بسلاسة وتسمح ببث روح الانتماء والمسؤولية الجماعية لدى كل عضو مشارك فيها، كما تقيم توازناً سالماً وعادلاً بين مصالح أعضاء الشركة، وتفصل بشكل رئيس ومركزي بين سلطة الإدارة وحق الملكية، وتسمح أيضاً بفرض رقابة محاسبية صارمة، ما يعني اطمئنان الشركاء على الشركة، خصوصاً حال وجود القُصر وكذلك مصيرها لكل من سيؤول إليه الإرث، إذ يبقى مطمئناً على نماء هذا الحق وآلية توزيع الحصص والأرباح بشكل نظامي ومنتظم ونحو ذلك. الحديث عن الشركات العائلية حديث طويل تُعقد له ملتقيات مطولة، وتجاربه في الدراسات المقارنة في دول العالم كبيرة، فهناك شركات عائلية كبرى عمرها يمتد إلى قرون وهي تزداد قوةً ومتانة بسبب هذه الحوكمة وبسبب وضوح المواثيق المرتبطة بها وإجراءات العمل ونماذجها واللوائح المنظمة لها. نحن بأمس الحاجة لضبط هذه العملية لخدمة المُلاك والشركاء نفسهم ممن آلهم مُلك هذه الشركة وحتى طمأنة السوق والمستثمرين والمتعاملين معها إلى ثباتها واستقرارها. * محامٍ، ومستشار قانوني. [email protected]