مكة أون لاين - السعودية من المرات النادرة أن يلحظ المراقب سجالا إعلاميا بين وزارة البترول وشركة سابك العملاقة في إنتاج البتروكيمائيات على خلفية تصريحات الرئيس التنفيذي لسابك المهندس حمد الماضي وهو الرجل المعروف بديبلوماسيته بأن نمو الشركة بالسوق المحلية أصبح صعباً للغاية بسبب نقص الغاز الطبيعي. إذ لم يتأخر رد وزارة البترول كثيرا مفندا معلومات الماضي بل وخارجا هو الآخر عن ديبلوماسية الوزارة حين اتهم بيان صحفي على لسان مصدر مسؤول بأن الشركة العملاقة تعاني من عدم تمكنها من الالتزام بإنجاز مشاريعها في الأوقات المحددة في ظل توفر الكميات اللازمة من اللقيم "بحسب بيان الوزارة". إن المتتبع لقضية "إمدادات الغاز" في السعودية يلحظ الحساسية العالية لدى وزارة البترول تجاه الحديث سلبا عن هذا الملف حتى بات أشبه ب"الخط الأحمر"، بل وفي أحيان الخروج عن خطها المتحفظ في التعاطي الإعلامي مع معظم قضايا أسواق الطاقة، فمن كان يفكر أن تصل الأمور بين وزارة البترول وسابك إلى هذا الحد من التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات. ويتبين لي أن تصريحات الماضي فهمت في غير سياقها، فالواضح أنه كان يتحدث عن التوقف عن أي أفكار توسعية مستقبلية جديدة بخلاف تلك التي تم التخصيص لها أساسا، وحقيقة الحال تقول إن منطقة الخليج بشكل عام بما فيها المملكة تواجه تحديات كبيرة في توفير مصادر الطاقة وعلى رأسها الغاز، وحين نتحدث عن السعودية فإن أهم مبادرات الاكتشاف والتنقيب عن الغاز التي أطلقتها وزارة البترول قبل 7 أعوام أو أكثر بمشاركة كبرى الشركات العالمية العملاقة في منطقة الربع الخالي لم يكتب لها النجاح بل وولدت شكوكا لدى المستثمرين من إمكانية عدم وجود الغاز بكميات تجارية أصلا هناك. إن استمرار سياسة "الاختباء خلف الأصبع" لن تفيد في شيء، وفي ظل النمو الكبير في إنتاج البتروكيماويات في المملكة وعدم وجود قفزات نوعية في إنتاج الغاز بل والاستهلاك الكبير للطاقة محليا لأمر باعث للقلق، وحتى في ظل الجهود الحالية في إنتاج الغاز غير المصاحب من حقول كران وواسط التي ما زالت بحاجة إلى مزيد من الوقت لإثبات قدرتها على مواكبة هذا النمو. ومن المستغرب أيضا أن ظل تلويح وزارة البترول بين الفينة والأخرى برفع الدعم عن أسعار اللقيم لأي منتقد لسياستها في تنفيذ برنامج إنتاج الغاز إذ يبلغ سعره محليا أقل من السعر السائد في السوق العالمية بعشر مرات، أمام هذا وذاك فإن المملكة أمام كل هذا الخطر المحدق ستكون مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى بإعادة تقييم سعر اللقيم المدعوم وسيكون أمامها خياران أحلاهما مر، فإما البقاء بالوضع الحالي بدعم الصناعات المحلية وتفاقم الأزمة والتضحية باستهلاك المزيد من النفط المتاح للتصدير أو البدء برفع تدريجي لأسعار الغاز الطبيعي للتشجيع على الكفاءة وتعزيز استخدام مصادر الطاقة البديلة ومراجعة الميز التنافسية التي تقدمها للشركات الأجنبية لجذب استثماراتها وازدياد معدلات التضخم. حتى ذلك لا وقت فالواجب على مسؤولينا التعامل مع هذا الملف من جانب المسؤولية بعيدا عن لغة العواطف والشحن المستغربة!