اليوم - السعودية إن الربط بين الاسلام الحق وما يحدث من عنف وإرهاب وإفساد في الأرض؛ ربط خاطئ سببه الجهل بمحاسن الاسلام. الإسلام دين الفطرة كله رحمة يدعو للرحمة بالبهائم فضلا عن بني آدم، فضلا عن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ومن رحمته أنه لا يدعو للوصول بهؤلاء المتطرفين والبغاة لليأس من التوبة والانابة؛ بل يدعو لقبول توبتهم والعفو عنهم قبل المقدرة عليهم، فالإسلام بهذه الرحمة لا يزهد أحدا في التوبة والعودة عن الباطل بعد ان ينال جزاءه الشرعي. إن للتطرف عوامل اجتماعية مختلفة تساعد عليه، توفير بؤر ومكامن له كالبطالة والتفكك الأسري وتأخر الزواج، وتعقيدات الأسر له وضعف التربية وخفاء التوعية والتوجيه بوسطية الدين وأصدقاء السوء، وعدم شغل أوقات فراغ الشباب بما ينفعهم ومجتمعاتهم، وكل ذلك يشكل تربة خصبة للانحراف ونمو الأفكار الخاطئة. إنه من الواجب إيجاد قنوات تمتص طاقة الشباب خصوصا من سن الخامسة عشرة إلى الثلاثين، فتفتح كل القنوات المفيدة لهم وللمجتمع من رياضات ونوادٍ ومنتزهات وثقافة ومسابقات وأعمال ومشاركات خيرية ورحلات وأنشطة مفيدة، ويكون القائمون عليها من أهل الاعتدال والفكر الناضج، فالشباب طاقة إن لم تشغل بالمفيد من الأمور شغلت بالتوافه والسيئ منها. كما أن تأخر سن الزواج وصعوباته قد يدفع ببعض الشباب للانحراف، فالزواج يخفف من حماس الشباب ويعجل بنضجهم، ويجعلهم أكثر ارتباطا بمجتمعاتهم، والواجب السعي الجاد لتسهيل أمور الزواج للشباب من خلال المعونات المالية مباشرة أو تسهيلات في صورة قروض مُيسَّرة، والحث على الزواج المبكر؛ لما في ذلك من تسكين فورة الشباب وربطهم بالمجتمع وبمسئولياتهم الأسرية. ومن بؤر التطرف تسيد الساحات الدعوية والمنابر لرموز المتشددين والمتعاطفين معهم مما يؤجج تلك الفتنة، والواجب منع كل من يريد أن يلبس على الناس دينهم ويروج لشبهات الارهاب على المنابر وفي سائل الإعلام المختلفة بل ومعاقبة هؤلاء. كما يجب فتح جميع قنوات اتصال الجمهور بأهل الفكر الناضج وطلاب العلم المعتدلين الذين يفهمون الإسلام فهما شموليا وسطيا لا تطرف فيه، فتفتح لهم مجالات المشاركة في التلفاز والمذياع والصحف والمحاضرات العامة والدروس بالمساجد لتنمية الفكر المعتدل، واضعاف الفكر المتطرف وكل ما يدعو للعنف في المجتمع. وهذا لا يعني التخلي عن الحل الأمني، فالحل الأمني مطلوب لمواجهة الفتنة، مطلوب لكن مع ملاحظة أمرين: الأول: إن النظرة الصحيحة للمتطرفين أنهم مرضى محتاجون للعلاج أكثر من العقاب، وهذه النظرة سيتولد عنها اختلاف التعامل، فالمرضى بحاجة للشفقة والرحمة والعلاج، كما قال علي بن أبي طالب في الخوارج، وقد ثبت عنده ضلالهم حيث استحلوا دماء المسلمين إلا أنه قال: (هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم). الثاني: ضرورة اعتماد أسلوب الحوار في توعية المجتمع وعلاج التطرف، لأن الأعمال إنما تصدر عن معتقدات؛ وتصحيحها من خلال الفكر بالحوار والإقناع، فالتطرف باسم الدين لا يكمل علاجه إلا من خلال الحوار الهادف البناء؛ كما فعل علي بن أبي طالب، حيث أرسل عبدالله بن عباس للخوارج، ليحاورهم قبل قتالهم فعاد معه نصفهم، وحتى ينجح الحوار لا بد أن يكون المحاور على علم واسع وذكاء وقاد ومعرفة بالشبهات وطرق الرد عليها، يملك أسلوبًا حكيما في الحوار والإقناع، ملمًا بطرق الاتصال ووسائل التأثير الحديثة كعلم النفس، ليس في حواره فوقية أو تعالٍ ليفتح باب التوبة والرحمة والعفو ويشجع من انحرف للعودة. ومن المهم إبراز طلاب العلم الحكماء المعتدلين في كل المناطق مع تحبيب الشباب فيهم ليكونوا قدوة ومرجعا لهم، مع تزويدهم والمربين بما يحتاجون إليه من معلومات كافية لما يستجد من الأحداث ليكونوا مستعدين لإزالة أي شبهة قد تعلق بأذهان الشباب. كما إنه من الضروري السعي لتطوير القدرات والمعارف العصرية للهيئات والمرجعيات الدينية الاجتهادية الجماعية، لتستطيع النظر فيما يعرض عليها بكفاءة وجدارة ووضوح، ولحسن ذلك من الثقة في عملها للرجوع إليها وقبول حكمها حال الاختلاف، فإنه لا يوجد ما يمكن أن يستجيب الناس له بسلاسة ويسر مثل الدين. [email protected]