التحرير - القاهرة «زواج وليس نزوة».. هذا ما قاله السيد نبيل فهمى وزير الخارجية فى وصف علاقة مصر بأمريكا.. وهو ما أثار صدمة من جماهير يقال لها إن تركيبة الحكم الحالية «برعاية وإشراف وقيادة السيسى» فى حرب مع أمريكا ودفاعا عن الاستقلال الوطنى.. إلى آخر كتالوج «والله زمان يا سلاحى..».. وكما أثار التصريح سخرية مجموعات من النشطاء والمنتمين إلى تجمعات سياسية تُتَّهم بالعمالة والخيانة وأنها تدار بأصابع أمريكية. أما الإخوان فهم يحبون موقعهم الجديد... فى ماكينة شماتة.. بلا عقل يفكر: وماذا فعل المرسى وجماعته فى العلاقة؟ ألم تكن سنته تحت إدارة مباشرة من الراعى الأمريكى؟ لكن الشامت لا يفكر والمصدوم يبحث عن مخرج «بمحاولات توضيح أو إنكار التصريح.. أو اعتبار أن فهمى لا يعبر عن تركيبة السيسى»، وتبقى السخرية هى مزيج من المرارة وتفكيك الأوهام المؤسسة للسلطة القادمة. وبداية من وصف «الزواج/ النزوة» التصريح يعبر عن ركاكة لا حدود لها.. ليس فقط لأن دلالاته لا ينقصها الابتذال، لكن لأنها تستدعى ذاكرة سوداء، حين قال أمين عثمان وزير المالية فى 7 فبراير 1940 وفى حفل بكلية فيكتوريا.. إن «العلاقة بين مصر وبريطانيا زواج كاثوليكى لا فكاك منه»، وأكمل حسب رواية مصطفى النحاس: «.. والزوجة تستدرج الزوج لتحقق مطالبها...». السيد نبيل فهمى وزير الخارجية لم يجد فى جعبته التى تنتمى إلى «المدرسة العريقة فى الدبلوماسية» إلا تلك التى تستدعى أجواء «علاقة الزوجة وطلباتها بالزوج..»... وهنا تبدو المسألة ليست هفوة أو بحثا فى حقيبة المجازات المبتذلة... لكنه آخر تفكير عقل مسيطر على العلاقات الخارجية. عقل لا يرى مصر من دون راعٍ دولى وعلاقة «زواج» مع قوى عظمى/زواج من النوع العجائبى الذى تشحن فيه نفس السلطة حناجرها للهجوم على أمريكا... واستقلالية القرار الوطنى... إلى آخر تلك البضاعة الحنجورية التى تكمل الزواج وتبرر الهجوم المتواصل على كل من يتصل بالزوج خارج سيطرتها فى إعلان عن احتكار الزواج مع القوى العظمى والوطنية فى آن واحد. إنها لعبة الأنظمة التى كانت... ورغم عدم فاعليتها أو فشلها فإنها كل ما لدى النظام الذى يتكون الآن.. ونبيل فهمى يلعب فى الشهور الأخيرة دور مهندس شبكات الاتصال فى العالم مع النظام الذى يتكون عبر إحياء السيسى للجهاز البيروقراطى ليكون هو الدولة/ دون رؤية سياسية أو موقف من العالم سوى تهويمات من نوع «..هتبقى قد الدنيا..»، وهى ما تجسده الأغنيات تعويضا عن واقع بائس لم تعد مصر تلعب فيه دورها المتوهَّم ولا دور الدولة المؤثرة فى صناعة القرار. ما زال كل ما لدى هذه المدرسة فى الدبلوماسية هو بيع «الدور» لا ممارسة الدور نفسه/ البيع أو التأجير كان يعنى بالنسبة لمبارك أن يحفظ مساحة مصر التى صنعتها سياسات الدولة الناصرية... لكى لا تفعل بها شيئا/ أو تعطيل المساحة لكى لا يشغلها أحد، ويحصل النظام الحاكم على ثمن الصمت أو تأجير الأرض الفارغة. ليس لدى السيد فهمى أو النظام الذى يهندس له شبكة العلاقات الدولية جديد، إلا فى ما يتعلق باستثمار الأحداث بعد 25 يناير «حيث شعرت أمريكا بالقلق من عجز الديكتاتوريات التى ترعاها عن الاستمرار..» أو 30 يونيو.. «حيث دافعت أمريكا عن اختيارها المطمئن للإخوان كبديل مناسب للمستبد الذى سقط..». الأحداث عبر السنوات الثلاث أشارت إلى أى أن إرادة القبضة الأمريكية لم تعد بنفس السيطرة السابقة، وأن هناك تعديلا فى ترتيب الإرادات المتحكمة بالعالم «هنا تدخل روسيا والصين والهند ربما... كإرادات داخل نفس النظام، وليس أقطابا فى صراع دولى يعيد أجواء الحرب الباردة..». أمريكا القلقة/ المرتبكة هل اطمأنت عندما سمعت مهندس النظام الجديد يصف علاقتها بالزواج؟ أم أن السيد فهمى سيدفع مبكرا ثمن الإفصاح عن المسكوت عنه/ لكنه إفصاح قبل الأوان أو يفسد بروباجندا «طز.. طز فى أمريكا..»؟ فهمى كشف أن سلطة الأمر الواقع التى أرسلته وتعتبر نفسها بروفة النظام القادم لا ترى أمريكا من زاوية «الطز» ولكن من موقع الزواج الشرعى.. فهمى هو ابن القصة الطويلة بين القاهرة وواشنطن، وتلك حكاية ما زال فيها ما يُروى.