المدينة - السعودية ثورة الجوال القادمةعندما نتحدث عن ثورة الجوال قد يتبادر إلى ذهن البعض بأن ذلك يقتصر فقط على الهواتف الذكية، بينما الحقيقة هي أن ثورة الجوال تعني ببساطة أن كل شيء حولنا سوف يكون ذكياً: التلفزيون، الثلاجة، السيارة، الملابس، المنزل، عيادة الطبيب، وأكثر من ذلك بكثير.. وأنا هنا لا أتحدث عن المستقبل البعيد، أو عن نماذج للخيال العلمي، ولكني أتحدث عن الواقع والحاضر الذي نعيشه اليوم. دعوني في البداية أوضِّح جزئية هامة من أساسيات الاتصالات المتنقلة، وسأعود في ذلك للوراء قرابة 70 عاماً. فعند ظهور التلفزيون في الأربعينيات أوشكت صناعة الراديو على الانهيار والموت، حتى اخترعت شركة "بيل" الأمريكية عام 1947م "الترانزيستور" والذي أنقذ صناعة الراديو وأعاد لها الحياة. الخاصية التي وفرها هذا الاختراع للراديو وجعل الدم يجري في عروقه مجدداً هي خاصية القابلية للنقل (التجوال) حيث جعل بالإمكان صناعة أجهزة راديو صغيرة الحجم يمكن حملها والتجوال بها وتركيبها في السيارات. ب هذا الصدد يقول خبير الاتصالات Russ McGuire: قيمة أي سلعة أو خدمة ترتفع كلما زادت قابليتها للنقل، وهذا تماماً ما حدث للراديو. وهناك كثير من السلع والخدمات الأخرى منحتها خاصية النقل كثيراً من الأهمية، ومن ذلك مثلا: خدمات العملاء، شراء وحجوزات الطيران والفنادق، الخرائط، وغيرها. ولدي من تجربتي الشخصية كثير من الأمثلة التي سبق أن ذكرت بعضها في مقالات سابقة. فاليوم أصبح بإمكاني مثلاً عبر ساعة ألبسها أن أخرج لممارسة هواية الجري وتقوم الساعة بمتابعتي بال GPS وتحسب لي المسافة والزمن والسعرات الحرارية ونبض القلب وتتيح لي التفاعل مع هواة الجري حول العالم وتقدم لي خرائط ومقارنات ورسوم بيانية، كما يمكن لزوجتي الخروج معي للرياضة وهي مطمئنة على طفلتنا في البيت بمشاهدتها بالصورة والصوت عبر الجوال، بل إن بالإمكان معرفة ورؤية من يقرع جرس منزلنا ونحن في أي مكان في العالم والحديث معه عن بعد. كان الاتصال هاتفياً بخدمات العملاء للشكوى من أكثر الأمور إزعاجاً بسبب طول الوقت المستغرق للرد وقلة الاهتمام والتجاوب.. اليوم أصبح بمقدورنا من أي مكان التواصل مع مسؤولي خدمة العملاء للشكوى أو الدعم الفني بسهولة وسرعة وتجاوب شبه مضمون وذلك عبر صفحاتهم على تويتر وعبر تطبيقاتهم الذكية مثل تلك الخاصة بأمانة جدة التي توفر أحدها خدمة البلاغات باستخدام ال GPS لتحديد مكان المشكلة. قبل 12 سنة ذكرت في كتابي: (الإعلام القديم والإعلام الجديد) ما يلي: "يرى البعض أن الهواتف الجوالة سوف تصبح جزءاً من الماضي خلال سنوات قليلة قادمة بحيث يحل محلها جيل جديد من الأجهزة الجوالة لا تستخدم كهواتف فقط ولكن كأجهزة للدخول على الإنترنت واستقبال وإرسال البريد الإلكتروني وعرض مؤتمرات الفيديو ولقطات الأفلام وبرامج التلفزيون وقراءة الكتب والصحف، واستخدامه للسداد كبديل للنقود وبطاقات الائتمان، ويمكن تسمية هذا الجهاز "الهاتف الذكي ..Smart Phone "إن الفكرة وراء هذه التطورات هي تمكين المستخدمين من التواصل والحصول على المعلومات متى ما أرادوا.. وبنفس القدر الذي استطاع فيه الكمبيوتر السلكي المتصل بالإنترنت من تحرير الناس من ضغوط الزمان والمكان، فإن الجيل الجديد من الهواتف الذكية سوف يحرر الإنترنت من أجهزة الكمبيوتر نفسها". كل هذه الرؤى والتوقعات لم يمر عليها عقد واحد حتى أصبحت حقيقة بكل معنى الكلمة. اليوم ورغم كل هذه القفزات التكنولوجية إلا أنه لازال يمكننا القول: إن "ثورة الجوال" لازالت في بدايتها، وأن القادم القريب سيحمل لنا الكثير من المفاجآت. سأُقدِّم لذلك مثالين فقط من شركة أبل: الأول هو تلفزيون iTv والذي سيعيد صياغة مفهوم "التلفزيون" ويجعل بالإمكان الاستغناء عن جهاز التحكم ومشاهدة البرامج في أي وقت ومن أي مكان بشكل تفاعلي على قائمة مشابهة لقائمة الآي فون. المثال الثاني هو iDoctor والذي سيغير مهنة الطب بكاملها، حيث اخترع جراح القلب "ايرك توفل" جهازاً صغيراً قيمته 199 دولارا يتم لصقه في الأي فون أجازته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ويمكنه عمل كل فحوصات ضغط الدم والسكر والكلسترول والأشعة المقطعية والشرايين وغيرها بنفس دقة الأجهزة الضخمة التي يكلف التحليل ببعضها حوالى 800 دولار، ويقدمها هذا الجهاز مجاناً. هذا الاختراع يتوقع له أن يلغي الحاجة لمختبرات التحاليل الطبية التي تكلف سنوياً مليارات الدولارات. الجهاز يمكنه أيضاً جعل جسم الإنسان تحت المتابعة المتواصلة ويحذره قبل تعرضه للمخاطر الصحية كالجلطة وهبوط السكر والضغط. كما يمكنه الارتباط مباشرة بالطبيب الذي يمكن أن يكون في أي مكان آخر من العالم ليقدم المشورة والنصيحة. ترقبوا ثورة الجوال التي ستجعل كل شيء حولنا ذكياً وتفاعلياً وستعمل على تغيير حياتنا بشكل يصعب تخيّله.. تماماً مثلما كان يصعب تخيل ثورات الاتصالات السابقة وأصبحنا اليوم نعتبرها شبه بدائية.